اخبار البلد - عمقت ضبابية السياسة النقدية في لبنان من متاعب العملة المحلية المنهارة أصلا، حيث فقدت الاثنين المزيد من قيمتها أمام الدولار في ظل جمود الإصلاحات الاقتصادية الأساسية التي يطالب لها المانحون الدوليون.
وسجّلت الليرة أدنى مستوياتها مقابل الدولار في السوق السوداء، في وقت تتعمق الأزمة السياسية في البلاد والتي تحول دون التوصل إلى أي إصلاحات قادرة على انتشاله من الانهيار الاقتصادي المزمن.
ولامس سعر الصرف الدولار الأميركي عتبة الأربعين ألف ليرة، وفق تطبيقات تتبع حركة أسعار العملات وصرافين، في مستوى هو الأدنى منذ بدء الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ ثلاثة أعوام ويصنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.
ومنذ صيف العام 2019، خسرت الليرة قرابة 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتا عند 1507 ليرات. ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقّف البنوك عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
وتعتمد البنوك العاملة في البلاد وشركات تحويل الأموال أسعار صرف مختلفة، وهو أمر يفتح الباب أمام المنافسة، ولكنه في الوقت نفسه يرهق الناس بأعباء مالية إضافية أحيانا.
ويشكل انخفاض الليرة أكثر صدمة للبنانيين الذين انهارت قدرتهم الشرائية بشكل أكبر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع العام الجاري مع تضخم قياسي يصل إلى أكثر من 170 في المئة بحسب ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.
وخلال عامي الأزمة الصحية ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 600 في المئة، وفق الأمم المتحدة.
وجراء نضوب احتياطي مصرف لبنان المركزي بالدولار، شرعت السلطات منذ أشهر في رفع الدعم تدريجيا عن سلع رئيسية أبرزها الوقود والأدوية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير.
ونتجت أزمة لبنان عن إنفاق باهظ على مدى عقود في دولة منكوبة بالفساد والهدر، إلى جانب السياسات المالية غير المستدامة.
وحُرم المودعون إلى حد بعيد من المدخرات الدولارية في النظام المصرفي المصاب بالشلل.
ولم يضع ساسة الحكومة بعد اللمسات الأخيرة لخطة التعافي المالي التي من شأنها أن تعالج خسائر تبلغ نحو 72 مليار دولار في النظام المالي.
وتُعتبر الأزمة الاقتصادية المتمادية الأسوأ في تاريخ لبنان. وتترافق مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.
البنوك العاملة وشركات تحويل الأموال تعتمد أسعار صرف مختلفة، وهو أمر يفتح الباب أمام المنافسة، ولكنه في الوقت نفسه يرهق الناس بأعباء مالية إضافية
ولم تنجح السلطات بعد في تنفيذ إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.
وأعلن الصندوق في أبريل الماضي توصله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكن تطبيقها مرتبط أيضا بالتزام الحكومة بتنفيذ إصلاحات مسبقة، بينها توحيد أسعار الصرف.
ويأتي ذلك وسط أزمة سياسية حادة، إذ فشل البرلمان مرتين على التوالي في انتخاب رئيس جديد للبلاد في ظل انقسامات عميقة عكسها غياب التوافق بين القوى السياسية على اسم خلف للرئيس الحالي ميشال عون الذي تنقضي مدة ولايته نهاية الشهر الحالي.
وبسبب الانقسامات نفسها التي تحول دون التوافق على رئيس للبلاد، لم تثمر مساعي رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في منتصف مايو الماضي.
ويضغط المجتمع الدولي من أجل انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية لتجنّب تعميق الأزمة الاقتصادية، التي كان ضحيتها السكان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة مع أكثر من مليون لاجئ أغلبهم من سوريا.