اخبار البلد - تحركت السعودية بسرعة للرد على الحملة الأميركية ضدها، والتي سعت لإظهارها وكأنها تقف في الحرب إلى جانب روسيا من خلال قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط. وشمل التحرك السعودي اتخاذ خطوات في صالح أوكرانيا في خطوة تهدف إلى امتصاص غضب الأميركيين قبل الانتخابات النصفية المقررة بداية الشهر القادم.
وأعلنت السعودية السبت تقديم حزمة مساعدات إنسانية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السعودية التي أضافت أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أجرى اتصالا هاتفيا بالرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وأكد ولي العهد السعودي خلال المكالمة "موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة التصعيد، واستعداد المملكة للاستمرار في جهود الوساطة”، بحسب الوكالة.
وجاءت هذه المكالمة وما تضمنته من قرار بالتبرع لفائدة أوكرانيا وعرض للوساطة في الصراع مع روسيا، بعد أيام قليلة من قرار السعودية التصويت على إدانة ضم روسيا لأربع مناطق أوكرانية.
وقالت بعثة السعودية في الأمم المتحدة "دعّمنا قرار إدانة روسيا لالتزامنا بالقانون الدولي ونؤيد الحلول السلمية للأزمة الأوكرانية – الروسية بالحوار”.
ويرى مراقبون أن الرد السعودي يهدف إلى تأكيد أن قرار أوبك+ ليس قرارا سياسيا منحازا إلى روسيا، بل هو قرار اقتصادي خالص، والدليل أن المملكة تنأى بنفسها عن موسكو بشكل كامل بإدانة ضمها لمقاطعات أوكرانية، معتبرين أن الرياض تعرف أن جزءا من تصعيد إدارة الرئيسي الأميركي جو بايدن يرتبط بسعيها لتحسين فرص الديمقراطيين في الانتخابات النصفية.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال” رفضت السعودية الاستجابة لمناشدات أميركية بتأجيل قرار خفض إنتاج النفط لشهر آخر، في وقت يريد فيه بايدن إبقاء أسعار المحروقات منخفضة قبل الانتخابات النصفية التي ستجرى في الثامن من نوفمبر، خاصة مع تزايد احتمال خسارة الديمقراطيين الغالبية الضئيلة في الكونغرس المكون من مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما سيؤثر بشكل سلبي على إدارة بايدن في ما تبقى من حكمه.
وتعرضت السعودية لانتقادات من واشنطن بعد أن وافقت منظمة أوبك، التي تقودها المملكة صحبة روسيا، على خفض كبير للإنتاج مع موسكو وحلفاء آخرين، ما قد يؤدي إلى ارتفاع في أسعار الطاقة.
واتهمت واشنطن أوبك+ بالانحياز إلى موسكو، وهدد بايدن بأن السعودية ستواجه "عواقب” بسبب هذا القرار. لكنه لم يقدم في مقابلة مع شبكة "سي إن إن” تفاصيل عن طريقة رد بلاده على قرار التحالف النفطي.
وقال عضو مجلس الشيوخ الأميركي السناتور كريس كونز، الجمعة، إنه من المرجح أن يعلق الرئيس جو بايدن مبيعات أسلحة جديدة للسعودية، في خضم الخلاف القائم بين واشنطن والرياض بشأن قرار خفض إنتاج النفط.
وأضاف كونز، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية والمخصصات في مجلس الشيوخ، في تصريحات لشبكة "سي إن إن”، "أعتقد أن كلا من الإدارة الأميركية ومجلس الشيوخ سيتخذان إجراءات، وأحد الإجراءات الأكثر ترجيحا هو تعليق أي مبيعات أسلحة في المستقبل (إلى السعودية)”.
وصنف البيت الأبيض قرار منظمة أوبك+ بأنه "يرقى إلى مستوى الدعم المعنوي والعسكري” للحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا.
وتقول كبيرة المحللين في معهد "مجموعة الأزمات الدولية” آنا جاكوبس "لقد مرت العلاقة الأميركية – السعودية بفترات من التوتر الشديد من قبل.. وحاليا هناك شرخ ولكن ليس قطيعة”. وتابعت "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة والسعودية في حاجة إلى بعضهما البعض”.
وقبل ثلاثة أشهر فقط، زار بايدن مدينة جدة والتقى ولي العهد السعودي، ما أثار غضب النشطاء المعارضين لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان. ومثلت الرحلة تراجعا دراماتيكيا عن تعهد بايدن عام 2019 بمعاملة السعودية على أنها "منبوذة”.
وحاول بعض المشرعين الأميركيين إحياء الدعم لقانون سيعرّض كارتل النفط لدعاوى قضائية بزعم مكافحة الاحتكار، بينما دعا آخرون الولايات المتحدة إلى سحب المعدات العسكرية من المملكة. لكن بالمقابل قد تجد واشنطن نتائج عكسية لمثل هذه الخطوات.
وقال توربيورن سولتفيدت من مؤسسة "فيرسيك مابلكروفت” الاستشارية لمعلومات المخاطر "سيهدد (الأميركيون) بقطع العلاقات المشحونة بالفعل، وهو ما سيضع بدوره ضغوطا متصاعدة أكبر على أسعار النفط والوقود”.
وقالت إيلن والد مؤلفة كتاب يتناول تاريخ شركة أرامكو النفطية السعودية العملاقة إنّ "الرد الأكثر احتمالا هو ما رأيناه بالفعل من تصريحات شديدة اللهجة من السياسيين”.
وقالت آنا جاكوبس، من مجموعة الأزمات الدولية، "أعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية تمر بعملية إعادة تقييم كبيرة”.
وأضافت "يبدو أن قرار أوبك+ أقل انحيازًا إلى روسيا وأكثر اتساقا مع تصرف السعودية مراعاة لمصالحها والرد على ديناميكية العلاقة الزبائنية التقليدية بين الولايات المتحدة والسعودية”.
وفي حين أن "العواقب” التي قد تواجهها الرياض بشأن تخفيضات أوبك+ تظل لغزا، فإن "الرد المبالغ فيه لن يؤدي إلا إلى تسريع الجهود الجارية لتنويع العلاقات العسكرية السعودية، ليس فقط مع الصين وروسيا ولكن مع فرنسا والمملكة المتحدة والهند وباكستان وحتى البرازيل وجنوب أفريقيا اللتين تستطيعان توفير المعدات”، على ما أفاد علي الشهابي المحلل السعودي المقرب من الحكومة.
وتابع الشهابي "الولايات المتحدة لم تزود السعودية مطلقا بأحدث معداتها على أيّ حال، لذا فإن هذا التنويع لن يكون هدفا غير معقول على المدى المتوسط”.
وبغض النظر عن هذا الاحتمال، يبدو أن المسؤولين السعوديين لا يزالون متفائلين بأن العلاقات مع واشنطن ستتغلب على الاضطرابات الحالية.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير لشبكة "سي إن إن” الأربعاء "لا أعتقد أن هذه العلاقة قطعت”، وتابع "هذه العلاقة قوية جدا”.