اخبار البلد - تحولت المناسبة السنوية المعروفة بـ”مسيرة الأعلام” في القدس من مناسبة يستعرض فيها كل طرف قوة وجوده في الجزء الشرقي من المدينة إلى مدخل مرشح للمزيد من التصعيد بين قوميين يهود وفلسطينيين.
وساد التوتر المدينة وزاد انتشار القوى الأمنية الأحد، بعد أن اقتحم مستوطنون باحة المسجد الأقصى قبيل انطلاق "مسيرة الأعلام” في الواحدة ظهرا بتوقيت لندن.
وتنظم المسيرة سنويا في ذكرى احتلال إسرائيل للشطر الشرقي من المدينة، والذي لم يحظ باعتراف المجتمع الدولي حتى الآن، وتعتبره عدة مبادرات عربية ودولية عاصمة لدولة فلسطين المنتظرة، حال التوصل إلى تسوية سياسية للصراع.
أحمد فؤاد أنور: ما يحدث في القدس حرب خفية لها علاقة بمسألة السيادة على المدينة
ويؤدي حرص كل جانب على تأكيد سيادته على الشطر الشرقي من القدس إلى تصاعد الاشتباكات؛ حيث تنتهز إسرائيل -حكومة وشعبا وقوى متطرفة ومستوطنين- الفرصة لإظهار أنها صاحبة السيادة واليد الطولى، وتسعى قوى فلسطينية إلى تعزيز تشبثها بعدم التفريط في المدينة التاريخية أو التهاون وتركها ساحة خالصة للإسرائيليين.
وأفرزت الأحداث الساخنة في القدس واقعا جديدا يضع المتطرفين في إسرائيل في الواجهة منذ أن نصب المستوطنون أنفسهم كحراس على الجزء الشرقي من المدينة.
ويسعى الإسرائيليون من خلال هذا التصعيد للتأكيد على أن رحيل حكومة بنيامين نتنياهو لا يعني رحيل التشدد.
ونصّبت حركة حماس نفسها مدافعا عن القدس وبدأت أصوات قادتها تتعالى من حين إلى آخر مطالبة بالاستثمار في ما تمثله المدينة من مكانة في وجدان العرب والمسلمين وإثبات حضورها، ما جعل السلطة الفلسطينية تدخل بورصة المزايدات كي لا تبدو منبوذة.
كما أن الأردن بدأ يحول الانتهاكات الجارية في القدس إلى قضية حيوية بالنسبة إليه ليثبت أهمية استمرار أحقيته في الإشراف على الأماكن المقدسة بالمدينة وعدم هز مكانته.
ويقول مراقبون إن الطرف العربي -أي السلطة وحماس والأردن- يريد اتفاقات أمنية لكنه لاحظ أن التطبيع مع دول أخرى صار أهم لدى الإسرائيليين، لهذا فإن المواجهة تجهض أي تطبيع.
ووقعت مواجهات بين فلسطينيين وإسرائيليين الأحد في نقاط مختلفة بالمدينة ومحيط المسجد الأقصى عند مرور مستوطنين يحملون أعلاما إسرائيلية ويغنون ويهتفون.
وبث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر مستوطنين وهم يرقصون ويؤدون صلوات تلمودية تمددوا خلالها على الأرض في باحات الأقصى.
في المقابل علّق فلسطينيون أعلاما وطنية على منازلهم في القدس الشرقية، في إشارة توحي بتمسكهم بهويتهم ورفضهم ممارسات متطرفين يحتمون بالجيش الإسرائيلي.
واحتشد المئات من الفلسطينيين مبكرا داخل المسجد الأقصى وأدوا صلاة الفجر بداخله في ظل شكاوى من تقييد الشرطة الإسرائيلية عملية دخولهم باحات المسجد.
وزار النائب الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير باحة المسجد الأقصى، وشوهدت مجموعة كبيرة تضم يهودا يقومون بتصرفات معادية للفلسطينيين.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية أن "مجموعة فلسطينية صغيرة من مثيري الشغب تحصّنت داخل المسجد القِبلي وألقت حجارة كبيرة في اتجاه عناصر الشرطة”.
ويُسمح لليهود بدخول باحة الأقصى وهم ممنوعون من أداء الصلاة فيها، لكن أعداد الذين يؤدون الصلاة خلسة أصبحت في تزايد، ما يثير توترات في الأقصى تؤدي إلى تنديد فلسطينيين خوفا من وجود نية للتمادي في تنفيذ سيناريو تهويد القدس، وهي المدينة المعروفة في أدبيات المسلمين بأنها "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”.
ويطلق اليهود على المكان اسم "جبل الهيكل”، وهو أقدس موقع في الديانة اليهودية، ودرجت المسيرة على المرور من باب العامود والبلدة القديمة وتنتهي بحائط البراق الذي يسميه اليهود "حائط المبكى” ويلاصق المسجد الأقصى.
وذكر الأكاديمي والباحث في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور أن ما يحدث في القدس "حرب خفية لها علاقة بمسألة السيادة على المدينة، ومع تجاهل المجتمع الدولي للوضع القانوني للقدس الشرقية سوف تتكرر الصدامات كل عام، وربما تصعب السيطرة عليها، حيث تزداد الأوضاع سخونة مع انسداد آفاق السلام”.
وأكد لـ”العرب” أن "اشتباكات هذا العام نتيجة طبيعية لما سبقها من توترات في الفترة الماضية، كان يتم لجمها من خلال عدم استعداد غالبية الأطراف الإقليمية والدولية لتقبل حرب جديدة في الوقت الراهن يمكن أن تخلط أوراقا كثيرة في المنطقة”.
حازم قاسم: مسيرة الأعلام استفزاز حقيقي وكبير لشعبنا
وألغيت مسيرة العام الماضي بعد إطلاق فصائل فلسطينية في غزة قذائف صاروخية على مواقع إسرائيلية أعقبها قيام قوات الاحتلال بشن هجوم عسكري كثيف على القطاع استمر أحد عشر يوما وأدى إلى سقوط المئات من الضحايا الفلسطينيين.
ويخشى مراقبون أن يفضي التصعيد الجديد إلى اتساع نطاق الاشتباك والخروج عن الإطار الذي كبح وصول هذا الاشتباك إلى حرب بين إسرائيل وقوات عزالدين القسام، الجناح العسكري لحماس، بعد مناوشات متقطعة خلال الفترة الماضية جرى لجمها.
ويقول المراقبون إن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تجنبا العودة إلى سياسة الأرض المحروقة مؤخرا، لكنْ تواصل الخوف من أن تؤدي الاشتباكات إلى انفلات تصعب السيطرة عليه، في ظل موقف سياسي صعب تواجهه حكومة نفتالي بينيت بعد تضاؤل الكتلة التي تمثل لها شبكة أمان في الكنيست وفقدان النصاب القانوني لاستمرار الحكومة، وبالتزامن مع المأزق الذي تعيشه حماس عقب زيادة حدة الأزمات في غزة.
وعادة ما يقوم المتشددون الإسرائيليون بإحياء ذكراهم في القدس، غير أن تصرفاتهم المستفزة في باحة المسجد الأقصى تثير حفيظة فلسطينيين، ما يجبرهم على إظهار التمسك بهويتهم الوطنية، ويصل الأمر إلى اشتباكات متبادلة.
وحذرت فصائل فلسطينية من حدوث اقتحام جديد للمسجد الأقصى على ضوء التصعيد الراهن. وأعلنت ما وصفته بـ”الاستنفار العام”، في محاولة لردع المستوطنين وإجبارهم على عدم تكرار ما يقومون به من أعمال عنف وحث الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ موقف أشد صرامة.
وقال الناطق باسم حماس حازم قاسم الأحد إن مسيرة الأعلام "استفزاز حقيقي وكبير لشعبنا.. وعبث بصواعق تفجير سبق أن تسببت في إشعال معركة سيف القدس”، في إشارة إلى حرب غزة التي اندلعت في العام الماضي واستمرت أحد عشر يوما.