اخبار البلد - يشهد موسم رمضان الدرامي في مصر هذا العام عدة تطورات على مستويات مختلفة، بفعل حالة الانفتاح التي أقدمت عليها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي صاحبة الإنتاج الكبير في المسلسلات والمالكة لغالبية وسائل الإعلام بمصر، ما أتاح الفرصة لدخول الإنتاج الخاص وحضور عدد كبير من المؤلفين والمخرجين وعدم الاكتفاء بأسماء بعينها ظلت مهيمنة خلال السنوات الماضية، ما يشير إلى توقع تحسن في جودة الأعمال الدرامية التي ستعرض قريبا.
وتشارك الشركة المتحدة هذا العام في إنتاج 14 مسلسلاً، بينما الخارطة الدرامية تحوي نحو ثلاثين عملا مصريا، ما يعني ارتفاع حجم الحضور الإنتاجي الخاص والمشترك.
ويبدو أيضا أن هناك حرصا على إحداث توازن على مستوى القضايا التي تناقشها هذه الأعمال، وإن كان الحضور الأكبر للمسلسلات ذات الصبغة الاجتماعية، ولعل التطور الأبرز هذا العام يرتبط بحضور قضايا المرأة بصورة لافتة.
وتقدم أعمال مثل "فاتن أمل حربي” و”يو تيرن” و”رانيا وسكنية” و”دنيا تانية” و”انحراف” و”بابلو” قضايا مرتبطة بالمرأة والصعوبات التي تواجهها في المجتمع، بالإضافة إلى أعمال تتطرق إلى حياة المصريين اليومية مثل "المشوار” و”جزيرة غمام” و”المداح 2” و”راجعين يا هوا” و”توبة” و”دايما عامر” و”ولاد عابد” و”بيت الشدة” و”وجوه”.
حضور الكوميديا
بالنظر إلى خارطة هذا العام يبدو أن هناك حضوراً قوياً للأعمال الكوميدية التي دائما تكون جزءاً رئيسيّا من وجبة الدراما الرمضانية، حيث أدركت جهات إنتاجية أن الأعمال التي تعتمد على كوميديا الحركة وقدمها خلال السنوات الماضية أبطال "مسرح مصر” لم تحقق نجاحاً كبيرا، وعاد المنتجون هذا العام مرة أخرى إلى كوميديا الموقف بعد أن واجهت شركة إعلام المصريين التي أصبح اسمها حاليا "الشركة المتحدة” انتقادات لاذعة بشأن طبيعة الأعمال الكوميدية التي قدمتها في الأعوام الماضية.
وعاد مسلسل "الكبير أوي” في الجزء السادس، بطولة أحمد مكي وحضور أغلب أبطال الأجزاء الخمسة السابقة، كما تخوض الفنانة يسرا مغامرة الكوميديا من خلال مسلسل "أحلام سعيدة”، ويقدم الفنان أكرم حسني مسلسل "مكتوب عليا”.
أندرو محسن: المنافسة تجعل الدراما المصرية أكثر احترافية
وحرص المنتج والممثل هشام جمال وعمرو وهبة وليلى أحمد زاهر وشيماء سيف على استثمار نجاحهم من خلال عرض جزء ثان من مسلسل "فى بيتنا روبوت – 2” والمكوّن من 15 حلقة، ويقدم مصطفى شعبان مسلسل "دايما عامر” في إطار كوميدي اجتماعي، ودخلت فيفي عبده وشرين رضا المنافسة بمسلسل "شغل عالي”.
وانحصرت الأعمال التي تهتم بالوعي، وكانت في صدارة الأعمال التي تقدمها الشركة المتحدة، هذا العام في عملين فقط هما "الاختيار – 3”، بطولة أحمد السقا وكريم عبدالعزيز وياسر جلال، ويرصد بطولات الجيش المصري والشرطة في مواجهة الإرهاب، و”العائدون” بطولة أمير كرارة ومحمود عبدالمغني وأمينة خليل.
صراع المنصات
يعوّل الكثير من النقاد والجمهور على التطورات التقنية التي فرضها عرض الأعمال الفنية على المنصات الإلكترونية، وهو ما أظهرته الإعلانات الدعائية للعديد من المسلسلات، فثمة فرصة للتخلص من رتابة سير الأحداث الدرامية مع وجود أربعة أعمال درامية تنتمي إلى نوعية المسلسلات التي لا يتجاوز عدد حلقاتها 15 حلقة.
هناك حرص على إحداث توازن على مستوى القضايا التي تناقشها هذه الأعمال، وإن كان الحضور الأكبر للمسلسلات ذات الصبغة الاجتماعية
وأكد الناقد الفني رامي المتولي أن العامل الأبرز في الخارطة الدرامية هذا العام يرتبط بالتنوع الكبير على مستوى الإنتاج والإخراج والتأليف، ولأول مرة منذ سنوات تخوض شركات إنتاج خاصة المنافسة، وتقدم أكثر من عمل درامي، وأبرزها "العدل غروب” و”سيلميديا”، إلى جانب تعدد برتوكولات التعاون بين شركات إنتاج مصرية وعربية لتقديم أعمال مشتركة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن هناك توسعا في البطولات الفردية والجماعية، ما يتيح اكتشاف مواهب جديدة بفعل الاستفادة من خبرات الفنانين المتواجدين على رأس العمل، الأمر الذي يساعد على تقديم أعمال بتكلفة إنتاجية أقل مع محتويات ذات جودة أكبر، وهو أمر تستهدفه الشركات لقياس مدى قدرة السوق على استيعاب العودة من جديد.
وبدأت جذور أعمال البطولات الجماعية تبرز منذ دراما رمضان 2010، وفي ذلك الحين كان هناك حضور فاعل للعديد من الفنانين في عمل فني واحد، على غرار مسلسل "المواطن إكس” بطولة يوسف الشريف وأمير كرارة ومحمود عبدالمغني، قبل أن يقدم كل منهم بطولة أحادية فيما بعد.
وأشار المتولي إلى وجود حالة جيدة من التعاون بين الإنتاج المصري والسعودي لخدمة انتشار المنصات الإلكترونية، ورغبة حثيثة في تعويض خسائر العامين الماضيين بفعل الظروف التي فرضها انتشار فايروس كورونا، وتسببت في وجود حالة شبه أحادية على مستوى الموضوعات، وأن التغيرات الإدارية التي طرأت في الإنتاج أسهمت في إتاحة الفرصة أمام المزيد من التنوع.
ويتعلق أحد أوجه التطور هذا العام بفلسفة التعامل مع المنصات الإلكترونية؛ ففي حين ظلت الأعوام الماضية أداة لجذب الجمهور بدلاً من إعلانات القنوات الفضائية، أضحت هذا العام أداة رئيسية للعرض تسبق التلفزيون، إلى جانب وجود خطط مستقبلية لمنصة "واتش إت” المصرية و”شاهد” السعودية للانتشار الواسع.
وثمة رغبة في استهداف شرائح جماهيرية مختلفة، ما فتح الباب أمام تنوع الإنتاج المشترك وفسح المجال أمام اختيار نجوم مصريين في مسلسلات سعودية وخليجية.
تعاون مصري – سعودي
اتجهت الفنانة المصرية روجينا إلى الدراما الخليجية، وتشارك في بطولة مسلسل "كيد الحريم” كأحد الأعمال الكوميدية المقرر عرضها، ويجمع بين اللهجة المصرية والسعودية، ويشارك فيه عدد من النجوم، منهم هنادي الكندري وجاسم النبهان وعبدالإمام عبدالله ومحمد الحداد وروان العلي، وهو من إخراج المصري مصطفى فكري.
وتقدم الفنانة المصرية بدرية طلبة بطولة عمل خليجي آخر هو "أمينة حاف – 2”، من تأليف علي دوحان وإخراج محمد عبدالعزيز الطوالة، ويناقش قضية تعدد الزوجات بشكلٍ جديد ومختلف، ويمزج الأجواء الكوميدية بواقعية أحداثه.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشارك فيها بدرية طلبة في عمل خليجي، حيث شاركت في مسلسل "أنا عندي نص” عام 2019 وكانت أول فنانة مصرية تمثل في السعودية.
ويتوقع العديد من النقاد أن تتسع مساحة التعاون المشترك بين الفنانين المصريين والدراما السعودية في الأيام المقبلة. ولئن كانت الخارطة الرمضانية هذا العام لم تشهد تغيراً ملحوظاً على مستوى الحضور المصري في الأعمال الخليجية، إلا أن الأمر قد يتغير انعكاساً لحالة الانفتاح السعودي على الإنتاج السينمائي والدرامي.
وأوضح الناقد الفني أندرو محسن أن دراما رمضان المصرية تتجه لأن تكون أكثر احترافية من ذي قبل بفعل قوة المنافسة مع الدراما الخليجية واللبنانية، وأن التجارب السابقة أثبتت أنه حينما تكون هناك دراما عربية صاعدة ينعكس ذلك إيجاباً على جودة الأعمال المصرية المقدمة، وهو أمر تفرزه المنافسة والرغبة في جذب أكبر عدد من الجمهور من خلال الاستعانة بفنانين مصريين في أعمال عربية أو العكس، وفقًا لما تفرضه المنصات الرقمية التي تخرج عن إطار العروض التلفزيونية المحلية.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن "انتشار الدراما الخليجية يتيح فرصة تقديم أعمال مصرية متنوعة، والتعاون بين الشركة المتحدة ومنصة شاهد السعودية يخدم الفن المصري، حال لم يكن هناك تقييد للإعمال. وهناك فرصة لتحقيق مكاسب إنتاجية نتيجة للسوق الكبيرة التي تستهدفها المنصة السعودية التي تعرض أعمالا حصرية”.
ورفض محسن فكرة الربط بين قلة تقديم الأعمال الدرامية وبين تحسين جودتها، لأن العامين الماضيين شهدا تقديم أعمال قليلة دون أن ينعكس ذلك على جودة الأعمال، ومن المهم وجود تنوع في الأفكار التي تقدم، وهو ما تحققه الخارطة المتوازنة حاليا.