عقيلة صالح.. زعيم قبلي يمارس السياسة بالبيضة والحجر

عقيلة صالح.. زعيم قبلي يمارس السياسة بالبيضة والحجر
أخبار البلد -  
اخبار البلد - مهما قيل ويقال عنه، فإن شخصية عقيلة صالح قويدر العبيدي تمثل إحدى أبرز علامات العمل السياسي في ليبيا خلال السنوات الماضية، وعنوانا للمكر في إدارة الواقع بشكل يبدو للمراقبين بسيطا وساذجا قبل أن تنكشف تعقيداته ضمن السياق العام المتشعب بطبعه، فالرجل الذي عرف أنه صاحب وجاهة قبلية في شرق البلاد ما فسح أمامه المجال للاقتراب من قلب القرار الاجتماعي في النظام السابق، والذي عمل في مجال القضاء لأكثر من أربعة عقود، استطاع أن يتمترس خلف مرجعيته القبلية لإدارة الواقع السياسي بالكثير من الهدوء، وكأنه يقرأ الكف أو الفنجان أو حركة النجوم، حتى أن أغلب النتائج سرعان ما تأتي وفق ما يشتهي ولو عكس ما يريد، ليبقى فاعلا في المشهد العام وبشكل فائق التأثير، وليثأر من أعدائه سواء بإطاحتهم أو بجلبهم إلى صفه، والزج بهم في تحالفات معه لا تزيده إلا نفوذا.

سر الإطار القبلي
صالح الذي ولد عام 1944 بمدينة القبة ترعرع في الإطار القبلي البدوي المسيطر على إقليم برقة، فهو يتحدر من قبيلة العبيدات التي تعد من أكبر القبائل الليبية من حيث تعدادها، والتي يتركز وجودها في مدن القبة وطبرق وبنغازي والبيضاء والجبل الأخضر بصفة عامة وحتى الحدود الليبية – المصرية ومرسى مطروح والإسكندرية وتونس والجزائر وتشاد والنيجر، وهي تمثّل رمانة الميزان في التوازنات الاجتماعية بالمنطقة الشرقية.

درس في جامعة بنغازي وحصل على الإجازة في القانون العام، ليلتحق بعد تخرجه بالعمل في وزارة العدل والسلك القضائي، ولم يكن معارضا للنظام السابق، ولا ناشطا ضده، ولم يغادر ليبيا للإقامة بالخارج، كما لم يتعرض لأي ملاحقات أمنية طيلة 40 عاما من العمل في السلك القضائي، وإنما تم اختياره أمينا للقيادات الشعبية بالجبل الأخضر في العام 2007.

إذاً لم يكن الرجل خارج السياق العام للنظام الجماهيري، ما دفع به إلى أن يكون واحدا من دعاة المصالحة الوطنية بعد الإطاحة بالنظام. في أول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ أكثر من 45 عاما سنة 2014، ترشح صالح كمستقل عن دائرة القبة طبرق، وفاز بمقعد أهّله في الجلسة الافتتاحية التي انعقدت في الخامس من أغسطس بمدينة طبرق للفوز برئاسة مجلس النواب.

دهاء سياسي
● صالح يتمترس خلف مرجعيته القبلية لإدارة الواقع السياسي بالكثير من الهدوء
● صالح يتمترس خلف مرجعيته القبلية لإدارة الواقع السياسي بالكثير من الهدوء
كان على صالح أن يتعامل بكثير من الدهاء والمكر الفطري مع الظروف الاستثنائية، وأن يتقن اللعب على حبل التوازنات الداخلية، ولاسيما من خلال الصراع القائم بين تيار الإسلام السياسي وبقية القوى الوطنية، وبين المجتمع البدوي الليبي وبعض المكونات الحضرية في مدن غرب البلاد والتي وصفها الرئيس التركي أردوغان لاحقا بالليبيين من أصول تركية، وكذلك بين الملكيين والسبتمبريين والفبرايريين، وبين الوحدويين والاتحاديين، بالإضافة إلى سياق المواجهة المحتدمة على أشدها في المنطقة، ولاسيما في ظل انخراط سلطات طرابلس في محور تركيا وقطر والإخوان بتحالفاتها التنظيمية والخارجية وآلياته الاقتصادية والإعلامية والسياسية، فيما كان صالح قد استطاع توجيه مجلس النواب في منحى الاعتدال العربي وإعلان التحالف الواضح مع مصر والسعودية والإمارات والأردن والبحرين في مواجهة الإخوان.

ترأس صالح الجلسة التي منح خلالها مجلس النواب الثقة لحكومة رئيس الوزراء عبدالله الثني الجديدة بعدد 110 نواب من أصل 112 حضروا جلسة التصويت، وذلك بعد أن أقر في وقت سابق تعديلا على اللائحة الداخلية المنظمة لعمل البرلمان تفيد بأن النصاب القانوني لمنح الثقة للحكومة هو بمعدل "النصف زائد واحد” من أصل عدد النواب الذين أدوا اليمين القانونية والبالغ عددهم 163 نائبا، أي أن النصاب هو 83 عضوا.

ونظرا للانقلاب على السلطات الشرعية ومؤسسات الدولة ونتائج ذلك في طرابلس، فإن حكومة الثني اتخذت من مدينة البيضاء مقرا لها لتمارس صلاحياتها في المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش بقيادة المشير حفتر، ولكن في نوفمبر 2011 قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بما يعني ضمنيا حل مجلس النواب المنتخب، ونص قرار المحكمة على "عدم دستورية الفقرة 11 من المادة 30 من الإعلان الدستوري المعدلة بموجب التعديل الدستوري السابع الصادر بتاريخ الحادي عشر من مارس 2014 وكافة الآثار المترتبة عنه”، ما يعني حل مجلس النواب وكل المؤسسات المنبثقة عنه.

كانت الأطراف الداعمة لمشروع الإخوان قد رحبت بالحكم، واعتبرته منطلقا لعدم الاعتراف بالبرلمان وقراراته وما ينتج عنه من تشريعات ومواقف، وأعلن المؤتمر الوطني العام استمراره في دوره التشريعي، بينما اعتبر صالح قرار المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس "في حكم العدم”، مؤكدا أن مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه "مستمران في أداء مهامهما”.

ودخل في مواجهة طاحنة مع قوى داخلية وإقليمية ودولية كان يديرها من «المربوعة» وهي المجلس التقليدي في بيوتات الليبيين التي يلتقي فيها الفاعلون الاجتماعيون حيث يتناولون من حول وجبات الطعام الدسمة وكؤوس الشاي المنعنع جميع الملفات والقضايا دون استثناء، ويتبادلون حولها المشورة.

نظام القذافي لم يكن صالح معارضا له في يوم من الأيام، ولا ناشطا ضده، ولم يغادر ليبيا للإقامة بالخارج، كما لم يتعرض لأي ملاحقات أمنية طيلة 40 عاما من العمل في السلك القضائي

قبائل برقة آنذاك كانت قد حسمت أمرها في حربها ضد الإرهاب وعموم قوى الإسلام السياسي بدعم المؤسسة العسكرية بقيادة حفتر. حينها قال صالح إن "دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت دعما سخيا للجيش الليبي، وإنه على الليبيين أن يورثوا ما فعلته الإمارات معنا لأولادهم”، مضيفا أن عملية الكرامة التي قادها المشير حفتر لمحاربة الإرهاب، بدأت بإمكانيات محدودة للغاية، وأن قوة الجيش لم تتعدى حينها 300 سيارة، مؤكدا أنه دون الإمارات لعجز الجيش الليبي عن مواصلة جهوده في الحرب على الإرهاب.

وروى صالح حوارا دار بينه وبين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء طلب ليبيا المساعدة من الإمارات في حربها على الإرهاب، حيث أكد صالح أن الشيخ محمد بن زايد قال له حرفيا منذ أول لقاء جمعهما "حلالنا حلالكم والإمارات ستفعل كل ما يجب فعله لاستقرار ليبيا”.

لقد وفّر صالح للجيش الغطاء الشرعي من خلال البرلمان وعن طريق الحكومة المؤقتة وفي سياق التوازنات القائمة وضمن علاقات مع روسيا وعدد من الدول العربية والأفريقية، كما وقف بقوة ضد مخرجات مؤتمر الصخيرات التي مثلت محاولة لإعادة تدوير الإخوان من خلال مجلس الدولة المحدث ككيان استشاري، وقوبل موقف صالح بعقوبات صدرت ضده من قبل الاتحاد الأوروبي، ولم ترفع إلا في أكتوبر 2020 عندما كان المجتمع الدولي يرغب في الدفع به إلى مساندة مبادرة الأمم المتحدة للحل السياسي.

 شراكة مع حفتر
في سبتمبر 2016 أصدر صالح قرارا بترقية "القائد العام للقوات المسلحة” بالحكومة المؤقتة حفتر من رتبة فريق أول ركن إلى رتبة مشير تقديرا للدور البطولي الذي تؤديه قوات الجيش بكل شجاعة واقتدار لمكافحة الإرهاب بكامل التراب الليبي وصون وحماية مقدرات الشعب، بحسب براءة الترقية، وهو ما أثبت مرة أخرى متانة التحالف القائم بين الرجلين، لكن لم يخف أن صالح أصبح يطمح لدور أساسي أكثر ديمومة، ولو من خلال قوة الجيش الذي كان قائده بدوره يرغب في تصدر المشهد السياسي، وهو ما أثار الكثير من الغبار في عاصفة التنافس التي كانت كثيرا ما تتم تغطيتها بعباءة التوازنات القبلية.

كان صالح قد تصدر المشهد السياسي في شرق ليبيا خلال السنوات الماضية، تحت مظلة الجيش الذي وصل نفوذه إلى كامل الجنوب الكبير، وإلى جزء مهم من المنطقة الغربية. وقبل ذلك، نجح في أن يعزل أعداءه اجتماعيا حتى بات الإخوان وحلفاؤهم من عناصر الميليشيات والجماعات المتشددة يمثلون قلة في المجتمع الليبي ودون حاضنة شعبية حقيقية، قد ساعده على ذلك سعيه لتحقيق المصالحة الوطنية عبر جملة من القرارات المهمة، ففي الثاني من فبراير 2015 ألغى البرلمان قانون العزل السياسي الذي كان المؤتمر الوطني السابق قد أقره بحرمان شخصيات عملت مع نظام القذافي. وفي الثامن والعشرين من يوليو من العام ذاته أقر مجلس النواب قانون العفو العام على كافة الليبيين المتورطين بجرائم مرتكبة بعد الخامس عشر من فبراير 2011، مع استثناء بعض القضايا الجنائية وأخرى تتعلق بالإرهاب، وجاء هذا القانون بالتزامن مع إصدار محكمة في العاصمة طرابلس، التي تسيطر عليها ميليشيات فجر ليبيا، حكما بالإعدام رميا بالرصاص على عدد من رموز النظام السابق من بينهم سيف الإسلام القذافي الذي كان محتجزا في الزنتان الواقعة آنذاك ضمن نفوذ البرلمان والجيش، وهو ما ساعد على تنفيذ القرار في حق سيف الإسلام في يونيو 2017، كما فسح المجال أمام أغلب المهجرين إلى الخارجين للعودة إلى بلادهم.

دفاعا عن الاعتدال
● الدور الذي يلعبه صالح يهدف إلى خلق تحالفات جديدة والسير لأول مرة في خيار ليبي – ليبي
● الدور الذي يلعبه صالح يهدف إلى خلق تحالفات جديدة والسير لأول مرة في خيار ليبي – ليبي
وضع صالح مجلس النواب في دائرة الدفاع عن مبادئ الاعتدال وسيادة الدولة ومساندة الجيش، وكان مدعوما في ذلك من القوى القبلية ومستندا إلى تحالف إقليمي مهم، وهو ما جعل المجلس جزءا من منظومة إقليمية معادية للإرهاب كانت قد قررت مقاطعة النظام القطري في يونيو 2017 وخاضت مواجهة مفتوحة مع النظام التركي، بينما كان الجيش الوطني قد وسع عملياته في الداخل الليبي بالسيطرة على إقليم فزان والاتجاه نحو طرابلس، لتعرف المنطقة الغربية حربا ضروسا استمرت أكثر مما كان منتظرا لها، وهو ما فتح أبواب المبادرات لحسم الصراع.

بعدها أعلن صالح عن مبادرة من ثماني نقاط لإنهاء الأزمة ترتكز على إعادة هيكلة السلطة التنفيذية الحالية المنبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات وإعادة اختيار أعضائها، وعلى الأقاليم التاريخية الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان)، وإعادة كتابة الدستور مع استمرار مجلس النواب إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة.

كان يتحرك على أكثر من صعيد، مفاوضات في المغرب مع مجلس الدولة حول توزيع المناصب السيادية، ومفاوضات سياسية وانتخابية ودستورية في مصر وسويسرا وتونس وغيرها، ومحاولات لاستبعاده من رئاسة البرلمان ضمن سياقات الصراع بينه وبين الإخوان، وأخرى لتهميش دور المجلس ككل من خلال مبادرة ستيفاني وليامز بخلق جسم تشريعي جديد وهو ملتقى الحوار السياسي الذي تم تشريكه في صورة أدت إلى وقوعه في شباك الفساد المالي والوظيفي.

قبيلة العبيدات التي يتحدر منها صالح تعتبر من أكبر القبائل الليبية من حيث تعدادها، والتي يتركز وجودها في مدن القبة وطبرق وبنغازي والبيضاء والجبل الأخضر بصفة عامة وحتى الحدود الليبية – المصرية ومرسى مطروح والإسكندرية وتونس والجزائر وتشاد والنيجر

العام الماضي تقدم إلى اجتماع ملتقى الحوار بجنيف بملف ترشح قائمته لإدارة شؤون البلاد، وهي تتكون منه كمرشح لرئاسة المجلس التأسيسي وينوبه في ذلك أسامة الجويلي وعبدالمجيد سيف النصر، مع ترشيح باشاغا لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، لكن النتيجة النهائية كانت لفائدة رجل الأعمال القادم من زواريب النظام السابق عبدالحميد الدبيبة مع شبهات تلاحقه بشراء أصوات عدد من الأعضاء في ظل تحقيق مفتوح من قبل الأمم المتحدة حول الرشى الموزعة في ملتقى تونس.

عندما واجه مجلس النواب خلافات حادة مع مجلس الدولة حول القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية والتشريعية، تجاوز صالح شروط المواجهة، وأعلن عن قرار المجلس بإصدار قانونين للاستحقاق، وجعل قانون الرئاسيات على مقاس حفتر، ثم ترشح للسباق الرئاسي وهو أكثر تأكدا من أنه لم يجر في موعده المقرر للرابع والعشرين من ديسمبر.

وبعد عام من تصويت ملتقى الحوار على السلطات الجديدة، كان مجلس النواب يصوت لفائدة تكليف باشاغا بتشكيل الحكومة الجديدة وبدلا عن حكومة الدبيبة التي سبق للمجلس أن حجب عنها الثقة منذ سبتمبر الماضي، واعتبرها منتهية الصلاحية والشرعية، وفي الأثناء، تم الإعلان عن تشريع خارطة طريق جديدة وعن تعديل دستوري بتوافق مع مجلس الدولة.

 لقد استطاع صالح أن يغيّر المشهد في اتجاه تحالفات جديدة، ولاسيما بعد إعلان قيادة الجيش عن دعمها لباشاغا، ودخول صالح في توافقات مع خالد المشري رئيس مجلس الدولة، والسير لأول مرة في خيار ليبي – ليبي غير خاضع لمزاج المجتمع الدولي.
 
شريط الأخبار صدمة لعشاق آبل بعد اكتشاف احتواء ملحق رسمي على مواد مسرطنة وضارة جنسيا تحوطوا جيدا.. مناطق بعمّان والزرقاء لن تصلها المياه الأسبوع القادم لمدة 72 ساعة - أسماء ماذا طلب ولي عهد لوكسمبورغ من السفير البطاينة "الفاو": الأردن حافظ على معدلات تضخم غذائي منخفضة في 2024 هل يُمكن أن تتساقط الثلوج بالأيام الأخيرة من الخريف؟ توضيح مهم من "جمعية البنوك" حول تخفيض الفائدة على القروض في الأردن والآلية المتبعة هجمات المستوطنين بالضفة تضاعفت 3 مرات خلال موسم الزيتون خريطة وقف إطلاق النار في لبنان تثير جدلا واسعا وميقاتي يعلق (صورة) أجواء باردة نسبيا في أغلب المناطق حتى الأحد وفيات الجمعة .. 29 / 11 / 2024 في سابقة قضائية... الحكم بالإعدام على شخصين بتهمة إضرام النار عمدًا في مخزن نتج عنه وفاتان تهديدات بالقتل تتسبب بنشر 1500 ضابط لمباراة كرة السلة بين ألبا برلين ومكابي تل أبيب توقعات بتخفيض أسعار البنزين ورفع الديزل في الأردن الشهر المقبل "حرارة انفجار ذخيرته تقارب حرارة سطح الشمس".. بوتين يشرح آلية عمل "أوريشنيك" هذا ما قاله نتنياهو عن وقف إطلاق النار والحرب في غزة هذا ما كشفه المجالي بشأن عودة رحلات الملكية إلى بيروت تنويه من إدارة السير 49 مليون دينار موازنة "النقل" في 2025 حافلة ريال مدريد تتعرض لحادث مروري بعد الخسارة أمام ليفربول تنقلات واسعة شملت 6 عمداء و23 عقيدًا في الأمن العام... (أسماء)