أخبار البلد-تاج الدين عبدالحق
بالميزان الرسمي وبالطقوس البروتوكولية فان الفراغ الذي خلفه رحيل الملك عبدالله بن
عبدالعزيز مليء بسرعة من خلال انتقال العرش للملك سلمان بن عبدالعزيز وولاية العهد
لشقيقه الأمير مقرن.
وفي بلد احترم التراتبية وتمسك بها طوال قرن
تقريبا يبدو هذا كافيا لضمان الاستمرارية واستقرار المسيرة أو السيطرة على مشاعر
القلق والخوف التي يثيرها غياب ملك بحجم ودور الملك عبدالله في الداخل والخارج.
لكن القرارات المكملة لقرارات انتقال السلطة
والسرعة التي تم بها الاعلان عنها تشعر المرء بأن الفراغ في مؤسسة العرش كان يحتاج
الى قرارات مكملة وهي قرارات تستدعي وقفة تحليلية ونظرة متفحصة.
هذه القرارات ترمي كرة الحكم في ملعب الجيل
الثاني من الأسرة الحاكمة السعودية.ومع أن هذا الأمر طبيعي و يتفق مع ناموس الحياة,
وطبيعة الأشياء كما أنه يتفق مع التحليلات التي سبقت وفاة الملك عبدالله ورافقت قراراته
الأخيرة وخاصة قراره بتعيين ولي لولي العهد, وهو المنصب الذي كان يعتقد البعض أنه
منصب مؤقت لحين ترتيب شكل انتقال السلطة بين صفوف الجيل الثاني أو جيل الأحفادج في
الأسرة الحاكمة الا أن ما يلفت الانتباه في القرارات المكملة هو الاستعجال والسرعة
في اتخاذها وما بدا للبعض كما لو أنها تستبق أي خلافات قد تنشأ بين الأحفاد.
من الواضح أن تلك القرارات المكملة كانت في
سباق مع طموجات أخرى عبرت عن نفسها بأشكال مختلفة في الشهور الأخيرة من حياة الملك
الراحل.حيث صدرت قرارات وظهرت علامات على أن البوصلة تتحرك باتجاهات مختلفة بحثا
عمن يقود عربة الجيل الثاني.وخلال تلك الفترة كانت بورصة الترشيحات تعبر عن الميول
والطموحات الشخصية أكثر من تعبيرها عن موازين القوى وما يجري في الكواليس من
ترتيبات.
وفي هذا السياق توقف كثيرون عند قرار اعفاء
خالد بن عبدالعزيز التويجري من مهامه كرئيس للديوان باعتباره دليلا على طبيعة الخلافات التي كانت تثار على هامش
الترشيحات.
فالقرار لا يشكل بالمعايير الحاكمة للنظام السعودي أكثر من قرار اداري
ووظيفي, ولا يعد من قبيل القرارات السياسية لكنه بالشكل والتوقيت الذي صدر به
قرارا سياسيا بامتياز, ووضع في ميزان مشاورات اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاة الملك
الراحل وتمخضت عنها القرارات المكملة.كما أن هذا القرار بالرغم من أنه لا يطال
بشكل مباشر أيا من أفراد الجيل الثاني من الأسرة الا أن استهداف موقع رئيس الديوان
بهذه السرعة بدا و كأنه حركة استباقية لقطع الطريق أمام أي اعتراض ومحاولة لفرض
أمر واقع خلال فترة الحداد لا يمكن تجاوزه أو نقضه أوحتى انتقاده بعد انتهاء هذه الفترة.
على أن فرض الأمر الواقع الناتج عن تعيين
الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد والأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع و رئيسا
للديوانالملكي لا يبدو كافيا للقول بأن عملية انتقال السلطة للجيل الثاني مرت
بسلام. فالمناصب السيادية العديدة التي يشغلها الأحفاد الأكبر سنا أصبحت في دائرة
الضوء وفي مرمى التغيير.
فالأسرة السعودية الحاكمة بالرغم من الحالات
القليلة التيتجاوزت فيها تراتبية العمر في توزيع المناصب السيادية ستجد نفسها أمام
أكثر مناستحقاق يترتب على التغييرات الجديدة.
فتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد
والأمير محمد بن سلمان في وزارة الدفاع قد ينتج عنها مقاربة جديدة مع الملفين
الأمني والعسكري وهذه المقاربة قد تختلف في ايقاعها وتفاصيلها و أساليبها مع
المقاربة التي كان يقودها الحرس القديم في صفوف جيل الأحفاد والمتمثل في الأمير
سعود الفيصل و الأمير خالد الفيصل والأمير متعب بن عبدالله و غيرهم.
ومع أنه من المستبعد أن تكون هناك خلافات
عميقة في الأهداف في صفوف جيل الأحفاد الا أن اختلاف الأساليب قد يستدعي التغيير
والتبديل في صفوف هذا الجيل لاعطاء الجيل الأكثر شبابا دورا أكبر وأوسع.
مثل هذا التغيير لن يكون سهلا وقد يكون
المعركة الحقيقية بين المتنافسين على المواقع الأساسية في سلم الحكم وخاصة المواقع
التي تجعلهم أقرب لمؤسسة العرش ولكي نتبين المدى الذي سيشهده التغيير في الساحة
السياسية السعودية علينا الانتظار بعض الوقت فما وقع حتى الآن على أهميته وعمقه
يظل الجزء الظاهر من تغيير أشمل قد يكون ضروريا لاخراج المملكة من نفق الاهتمام
بالحسابات الداخلية للتفرغ للمخاطر الاقليمية التي تقرع أبوابها من مختلف
الاتجاهات.