رائد زعيتر..ليس بين عمان ونابلس مسافة


عندما ولى القاضي رائد زعيتر وجهه نحو مدينة نابلس، كأنه كان على يقين أن المسافة بين نابلس وعمان أقرب من خطوط اليد الواحدة، وأن أولئك الواقفين على مفترق الطريق بين المدينتين ما هم إلا غربان ما تلبث أن تذهب.
قد يكون شهيد القضاء ذهب لنابلس وفي نيته العودة ليلا لعمان، فالمسافة قريبة حد رفة عين، وهو يرفض الاعتراف بأسلاك شائكة وبواريد، وصلافة مغتصبين يعتقدون أنهم بصلافتهم يمنعونه من شرب فنجان قهوته صباحا في عمان من الوصول لنابلس قبل الظهر، ويتحلى هناك من كنافتها الطازجة قبل أن تبرد.
شهيد القضاء لا يعترف بأن أولئك المغتصبين القابعين غرب النهر يمكنهم منع بطين القلب الأيسر من ضخ الدم لبطين القلب الأيمن، ويعرف أيضا أن ليس بين الرصاص مسافة، فالطلقة التي تنطلق من العوزي (سلاح القتلة الصهاينة) لا تفرق بين قاض وعالم، أو بين شاب وطفل أو شيخ وسيدة، فالرصاصة واحدة، وتقتل دون استئذان، والمجرم واحد، ويقتل دون رحمة أو تفكير.
أراد زعيتر أن يزور نابلس، اشتاق لجبل النار، وقلعة الصمود، وهو يردد، لن تشغلني الأوراق والخربشات وضوضاء العمل ودوامة الحياة التي تتقاذفني يمينا وشمالا، عنك.
هو يعرف المكان ويعرف حبات المطر المتساقطة بين جانبي النهر، ويعرف التراب، والجبل والوادي، ويعرف أن الكرامة لا تعود إن تطاول مغتصب عليها.
ولانه يقف على أرض الكرامة، في معبر الكرامة، ويتنشق عبير معركتها التي تحين بعد أيام، لم يرق له أن تمس كرامته ولو بكلمة، فأبدى انزعاجه من تصرفات الغربان المغتصبين الذي يمنعون اقرانه من القيام برحلات عائلية من عمان لنابلس وبيت لحم والبيرة والتمتع بمناظرها ومن ثم العودة لعمان عند غروب الشمس، فكانت النتيجة 5 رصاصات اخترقت جسد ممثل العدالة من مسافة صفر، فتلون روب القضاء بدماء الجسد الأحمر.
شاهد عيان روى لوكالات أنباء ما حدث بالتفصيل فقال: "ثلاثتنا أنا والقاضي وفتاة كنا نهمُ بالصعود للحافلة، إلا أن جندياً اسرائيلياً دفع القاضي بيده ما تسبب بمناوشات بينه وبين الجندي، رد عليها جندي آخر بدفع القاضي من جديد ما تسبب بسقوطه على الأرض، لكن كرامة القاضي ضخت الدماء بجسده لينهض من سقوطه ويدفع الجندي الإسرائيلي غاضباً على هذا التصرف، فما كان من الجندي إلا أن رفع سلاحه ووجهه نحو القاضي وأطلق عليه 5 رصاصات دفعة واحدة".
5 رصاصات اخترقت صدره، وألقت بجسده على الأرض لا يحرك ساكنا، ودماؤه تسيل لتروي تراب الأرض، وليرتقي القاضي رائد زعيتر شهيدا للكرامة على معبر الكرامة في شهر الكرامة.
الجسد بقى على الأرض نصف ساعة بالتمام والكمال، قبل أن تحضر سيارات إسعاف القتلة، وتحمله وقد فارق الحياة، ليدفن في نابلس جبل النار، فليس بين عمان ونابلس مسافة ولا جدران ولن تستطيع أية قوة احتلال منع زميلي وصديقي مصطفى ريالات ابن السلط أن ينظر يوميا إلى أنوار نابلس من مشارف مدينته، ويستذكر أن هناك قتلة مغتصبين يقتلون الإنسان ويعتدون على الحجر والشجر.
أسلم القاضي الشهيد روحه لباريها وهو يردد (الموت ولا المذلة)، ويقول "موطني الشباب لن يكل همه أن يستقل أو يبيد ... نستقي من الردى ولن نكون للعدى كالعبيد .. لا نريد ذلنا المؤبدا وعيشنا المنكدا لا نريد بل نعيد مجدنا التليد... موطني".