خطأ السؤال في جريمة الشهيد زعيتر
بفعل الطريقة التي أدير فيها النقاش العام حول الجريمة الإسرائيلية بحق الشهيد القاضي رائد زعيتر تحولت القضية برمتها إلى أزمة أردنية داخلية بدلا من أن تكون وكما هي بالفعل، أزمة لإسرائيل.
خطاب النخبة السياسية والبرلمانية منذ لحظة وقوع الجريمة تمحور حول سؤال مركزي واحد: ماهو المطلوب من الحكومة أن تفعله ردا على الجريمة؟
تعددت الاجتهادات، ثم التقت عند حزمة مطالب؛ طرد السفير الإسرائيلي من عمان، وسحب "الأردني" من تل أبيب، والإفراج عن الجندي الدقامسة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المطالب ليست جديدة، فقد كانت موجودة على جدول أعمال أحزاب المعارضة وكتل نيابية قبل الجريمة الإسرائيلية بحق الشهيد زعيتر.
وتدرك مختلف القوى التي تتبنى هذه المطالب أنه ليس واردا أن تستجيب الحكومة، أي حكومة لهذه المطالب، لاعتبارات وحسابات معقدة لا تغيب عن ذهن تلك القوى.
السؤال منذ البداية ينبغي أن يصاغ بطريقة مختلفة، ليكون الجواب ممكنا ومجديا ويرتقي إلى مستوى الجريمة البشعة. بمعنى آخر أن يكون موجها لإسرائيل وليس للحكومة الأردنية.
والسؤال في هذه الحالة: ماهو الثمن الذي يتعين على إسرائيل أن تدفعه لهذه الجريمة؟
مقاربة القضية على هذا النحو يعيد توجيه النقاش بطريقة تحرج إسرائيل، وتجنب الأردن الإنقسام الداخلي.
إسرائيل حاليا في وضع مريح؛ لقد تخلصت من عبء الجريمة وكلفتها، وتكتفي بمراقبة الحكومة الأردنية وهي تصارع في البرلمان لتجنب التصويت بطرح الثقة، وتتابع الشارع الأردني وهو يلقي جام غضبه على المسؤولين "المتخاذلين"، بينما بالكاد يتحدث احد عن نذالة الجندي الإسرائيلي، وخسته.
كان على النواب والقوى الحزبية، وربما الحكومة أيضا ان تصوغ لائحة مطالبها من إسرائيل في وقت مبكر. بالمناسبة التحقيق في الحادث ليس له معنى كبير؛ فهو إجراء روتيني تقدم عليه كل الدول عند وقوع حوادث مماثلة.
كان المطلوب أن نستغل لحظة الإحراج لانتزاع تنازلات من حكومة نتنياهو على غرار ماحصل عند محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان قبل 17 عاما. وللمفارقة نتنياهو كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، وقد رضخت حكومته لمطالب الأردن.
لم تطرد الحكومة الأردنية السفير الإسرائيلي في ذلك الحين، ولم تفرج عن الدقامسة الذي لم يكن مضى على سجنه أكثر من عدة أشهر. بيد أنها حصلت في المقابل على صفقة وصفتها المعارضة بالعادلة؛ الإفراج عن الشيخ احمد ياسين، وعدد من الأسرى الأردنيين والفلسطينيين في سجون الاحتلال. وقبل ذلك تأمين العلاج الذي أنقذ حياة مشعل.
لماذا لم نفكر بمطالب كهذه؛ مايزال هناك أسرى أردنيون في سجون الإحتلال. ليكن الإفراج عنهم مطلبا رئيسيا كرد على الجريمة.
في يدنا أوراق عديدة يمكن التلويح بها؛ التنسيق الأمني مثلا، وهو أمر حيوي لإسرائيل.
يمكن للبرلمان والحكومة أن يربطا طرد السفير وغيره من الخطوات باستجابة إسرائيل للائحة المطالب الأردنية. في قضية خالد مشعل لجأ الملك حسين إلى تكتيك صارم تمثل بالتهديد بإلغاء معاهدة لسلام لينال مطالبه.
في قضية الشهيد زعيتر المطلوب هو حشر الحكومة الإسرائيلية في الزاوية، وليس الحكومة الأردنية.