السياسة شبيهة بالرياضة
يعتقد الكثير منّا بأن الكتابة في الرياضة والكرة والحديث عنهما ومتابعتهما، وحتى ممارستهما أفضل وأسهل وأبسط بكثير من الخوض في السياسة والشؤون الاجتماعية عندنا، لأن أهل الرياضة أنظف وأصدق ويتحلّون، رفقة جماهيرهم، بروح مغايرة. ولكن بعد الهزة الاجتماعية الأخيرة لبداية السنة ومتابعتي للأفعال وردود الفعل من الساسة والإعلاميين وكل المعنيين، تبيّن لي بأن القواسم المشتركة كثيرة بين الرياضة والكرة من جهة والسياسة والمجتمع بفئاته من جهة أخرى، وكلاهما معقد وصعب وحساس وهش، ونخبتنا السياسية والعائلة الرياضية يلتقيان في عديد الصفات والسلبيات وحتى الايجابيات، وهم أبناء مدرسة واحدة تهيمن عليها أنانية البعض ورغبة البعض الآخر في التموقع وفيها الكثير من المخلصين من ذوي النيات الحسنة...
شؤون السياسة أشبه بشؤون الرياضة من حيث الأهمية والاهتمام الجماهيري الواسع، حيث توقفت الحياة الفنية والرياضية والثقافية بسبب الهزة الاجتماعية الأخيرة وما رافقها من اضطرابات، وتوقفت الحياة في مباريات المنتخب الوطني لكرة القدم وما رافقها من هبّة وطنية لم نشهد لها مثيلا، وفي كلتا الحالتين صنع الشباب الحدث بسعادته وفرحه في الكرة، وبغضبه واحتجاجه وتذمّره من الحياة العامة بسبب ظروفه الصعبة.
في السياسة وفي الرياضة، على حد سواء، نحزن ونفرح ونحقد وننتقم ونناور ونتوحّد ونغضب ونثور للخسارة والفوز ولآرائنا ومواقفنا، وتنتابنا نفس المشاعر من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة كل الآفات التي تنخر المجتمع والدولة معا.
- إن السلطات مع الأحزاب والجمعيات والشخصيات المعارضة مثل الاتحادات الرياضية مع النوادي والمسيرين والنوادي، والشعب مع السلطات العمومية مثل جماهير الكرة مع نواديها ومنتخبها... الثقة مفقودة وكل طرف يغني على هواه.
- كل سياسي يدّعي بأنه على حق ويملك الحقيقة ويحتكر حب الوطن وغيره على باطل وخائن للوطن، وكل من في الوسط الكروي عندنا من الوزير إلى رؤساء الاتحادات إلى مدربي المنتخبات يعتبرون أنفسهم على صواب وكل من يختلف معهم مشوش، وكلاهما أطرش أو أعمى لا يسمع ولا يرى إلا عندما يضطر لذلك تحت ضغط الشارع.
- التعصب الأعمى للرأي في السياسة والشؤون العامة أشبه بالتعصب للنادي والمنتخب، وأغلب الفاعلين في الحقلين السياسي والرياضي يمارسون الإقصاء تجاه من يعارضهم ويختلف معهم، ويساهمون بتعنّتهم في إذكاء نار الحقد والكراهية ويدفعون إلى التطرف في المواقف وردود الفعل، بعيدا عن ثقافة الحوار.
- حرب المواقع والتموقع قائمة بين الانتهازيين والمغامرين في كلا الطرفين والكل يتحيّن فرصة التعثر الرياضي والغضب الاجتماعي لكي يبحث له عن موقع أو منصب، وينتقم ممن سبقوه وهمّشوه ولم يعطوه نصيبه من »الكعكة« حتى ولو كان من نعارضهم على صواب ويقومون بواجبهم، وظلت الجزائر ومصالح الجزائريين رهينة خلافات وحسابات شخصية.
- السلطة والشهرة والمال هي كلمات السر لكل تحرك سياسي واجتماعي ورياضي بدافع المصلحة، فيطرحون أنفسهم بدلاء للساسة والوزراء ورؤساء الاتحادات والمدربين، مستغلين اندفاع شباب مخلص راغب في تصحيح الأمور وناقم على ناديه ومنتخبه، أو على ظروف معيشته وتهميشه.
- الرغبة في البقاء على رأس الهيئات والتنظيمات والوزارات والأحزاب والاتحادات والنوادي والمنتخبات صارت أيضا قاسما مشتركا بين الجميع ولم نعد نسمع عن استقالة وزير أو رئيس حزب وجمعية ولا رئيس اتحاد أو رئيس نادي أو مدرب، رغم أن الجزائر الوحيدة في العالم التي استقال فيها رئيسان للجمهورية، والأولى التي رفعت شعار الدولة التي لا تزول بزوال الرجال...
- الضغينة منتشرة في أوساط عدة بسبب الإقصاء الممارس وبسبب الحقد المنتشر والغيرة والحسد وانسداد قنوات الحوار والتشاور والاتصال، ففر الجميع نحو وسائل الإعلام التقليدية والحديثة ينشر الغسيل وينتقم ويعبر عن مكنوناته...
- عدم الرضا والتذمر من الأوضاع السياسية والاجتماعية والرياضية صارت قواسم مشتركة بين شباب الجزائر في كل المجالات ولا شيء صار يفرح ويصنع الأمل وقتلنا كل شيء جميل وكل أمل وطموح، رغم عديد الانجازات والايجابيات التي لم نعرف تثمينها وتدعيمها وتسويقها، ورغم الكفاءات والموارد التي تزخر بها الجزائر...
- تعامل السلطات العمومية مع الساسة وأسرة الرياضة يتشابه إلى حد بعيد، بدعوى الحفاظ على التوازنات والنسيج الاجتماعي وخوفا من التغيير والتجديد، حتى بدت الأفاق مسدودة بفعل الأحقاد السائدة في الوسطين وغياب الجرأة والإرادة في تكسير الطابوهات.
قد تبدو الأمور سوداوية في نظر من يقرأ هذا المقال ولكنها ليست كذلك تماما ولن أكون جاحدا ولا متشائما في وجود الكثير من النزهاء والمخلصين في الكثير من المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية وحتى الحزبية والجمعوية وفي صفوف المواطنين والفاعلين ممن يحرصون على صيانة التوازنات والحفاظ على المكتسبات وتدعيمها بتصحيح مسارها إذا اقتضت الضرورة. ومهما كنا قساة على أنفسنا، لن نتنكر لجهود المؤسسات والرجال وكل الأجيال في بناء الجزائر، ولا ندعو للعودة إلى الصفر، ولن نقول إذا عمّت خفت، بل إذا عمت تعقدت، وخطورتها ازدادت، فهل من مغيث قبل فوات الأوان؟ وهل من مزيد من الإجراءات والإصلاحات حتى نتفادى التنازلات والانزلاقات ونحافظ على المكتسبات؟؟