الاستفتاء على الحل النهائي ... نعم و لكن!
لا تتوقف السلطة الفلسطينية عن التأكيد، بأن أي اتفاق مع إسرائيل يجري التوصل إليه بوساطة الوزير الأمريكي جون كيري، سوف يجري إخضاعه لاستفتاء عام، يشارك فيه الفلسطينيون في الوطن والشتات، وهذا أمر محمود من الناحية النظرية، ويليق بتجربة الشعب الفلسطيني الكفاحية التي انخرطت فيها أجيال متعاقبة سواء من اللاجئين أو من "المنزرعين في منازلهم”، لكنه مشروط بتوفير أفضل وأوسع المشاركة الشعبية فيه.
لكن الاستفتاء المنشود، كما الانتخابات العامة المنتظرة، تطرح أسئلة بالغة الدقة والصعوبة، وتحتاج إلى جهود تحضيرية جبارة، قد تستغرق أشهراً طوال من الإعداد والاستعداد ... وهنا نبدأ بسؤال من هو الفلسطيني؟ ... وأين هو الفلسطيني؟، وكيف يمكن رسم خريطة الانتشار الفلسطيني التي تكاد تشمل قارات العالم الخمس؟ ... وهل بالإمكان تنظيم مثل هذا الاستفتاء في العديد من أماكن الانتشار الكثيف للاجئين الفلسطينيين، وماذا عن الحساسيات التي تبديها حكومات وأحياناً "مجتمعات” من أمر كهذا؟
عندما ناقشت القيادة الفلسطينية فرص إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، جرى استثناء أكثر من نصف اللاجئين بجرة قلم، لأسباب قيل إنها تتعلق بظروف الدول المضيفة، من بينها الأردن حيث يتمركز قرابة الـ "40 بالمائة” من اللاجئين، وسوريا بفعل حربها الأهلية وحروب الآخرين عليها، ولبنان بحجة وضعه الأمني المتدهور باستمرار، وبعض دول الخليج لحساسياتها الخاصة حيال الانتخابات والاستفتاءات ... أما حين تعلق الأمر بالشتات والمنافي الأمريكية والأوروبية، فبدا أن البعض يفكر بانتخابات على قاعدة "بمن حضر”، إذ لم نر أي جهد تحضيري لإعداد كشوف الناخبين وأصحاب الحق بالاقتراع، وهي عملية قد تستغرق أشهراً طويلة لإنجازها، ودار الحديث عن انتخابات قد تجري "سلقاً” في غضون ثلاثة أشهر.
ثم ماذا عن فلسطينيي الخط الأخضر، أصحاب البلاد الأصليين، هل سيشاركون في الاستفتاء المذكور، هل تسمح إسرائيل لهم بذلك، أم أن صيغة شبيهة بصيغ تمثيلهم في المجلس الوطني الفلسطيني، سيجري اعتمادها لتأكيد الدلالة الرمزية على وحدة الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، كيف يمكن حشد الضغوط الدولية لإجبار إسرائيل على السماح لما يقرب من مليون ونصف المليون فلسطيني من المشاركة في "تقرير المصير”.
في كل الأحوال ومطلق الظروف، سواء أنجزت السلطة اتفاقها مع إسرائيل أم لم تفعل، سواء جرت جهود استعادة الوحدة والمصالحة "على ما يرام” أم ظلت على انسدادها، فإن واحدة من المهام الجسام التي تنتظر السلطة والمنظمة على حد سواء، هي حصر خرائط الانتشار الفلسطيني، واعتماد وسائل "التقنية الحديثة” للوصول إلى الساحات والأماكن التي يصعب فيها وصول فرق الإحصاء والتسجيل، وإعداد كشوف "الهيئة الناخبة” التي سيجري الرجوع إليها، سواء لإتمام الاستفتاء الذي تتحدث السلطة عنه وتعد به، أو لإجراء الانتخابات العامة للمجلس الوطني الفلسطيني، عند إتمام محاولات استعادة المصالحة والوحدة.
والحقيقة أن الاستفتاء، لا يطرح فقط، مشكلات تقنية ولوجستية من الطراز الذي أشرنا إليه، فهناك أيضاً مشكلات وتحديات سياسية سوف تؤثر على نتائج الاستفتاء، ومنها توفير بيئة آمنة للترويج للأفكار التي سيُستفتى الشعب الفلسطيني بشأنها، أو لمناهضتها ... كيف يمكن ضمان مناخات من الحرية "النسبية” للحملات المؤيدة والمعارضة، للداعين بالتصويت بـ "نعم” والمطالبين بالتصويت بـ "لا”، خصوصاً في دول لها مصالح وحسابات وأجندات خاصة بقضية فلسطين أرضاً وشعباً وحقوقاً؟
الاستفتاء ضروري، كآلية ديمقراطية تضمن حق الشعب في التعبير عن رأيه وتقرير مصيره بنفسه، وإعطاء الكلمة الفصل فيما خص مستقبل قضية ومصير كفاحه ... لكن إجراءه بشروط ناقصة، سيكون أسوأ بكثير من عدم إجرائه ... ولهذا يتعين من الآن، السير على خطين متوازيين: الأول، اللوجستي والتقني المتصل بإعداد كشوف الناخبين وتحديثها وضمان الوصول إلى أوسع قاعدة شعبية فلسطينية في الشتات ... والثاني، سياسي، من خلال الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لتوفير الضمانات المطلوبة لسير عملية الاستفتاء أو الانتخاب، وفقاً لأفضل المعايير الدولية، ولتبديد العقبات والعقد التي قد تضعها بعض الدول المضيفة في الطريق، وتقليص حجم التدخلات الضارة من قبل بعضها الآخر، واحتواء المحاولات المحتملة لممارسة التأثير على سير العمليات الانتخابية أو الاستفتائية.