هل يصمد البيت الخليجي؟
مجلس التعاون الخليجي، هو المؤسسة الوحيدة من مؤسسات العمل العربي التي حافظت على وجودها وفعاليتها لأكثر من ثلاثة عقود، فيما انهارت وتكلّست مجالس أخرى بما فيها الاتحاد المغاربي الذي تحوّل إلى هيكل إداري بلا فعالية تذكر.
لكن دوام الحال من المحال في عالمنا العربي؛ فبعد أن نجحت آليات "التعاون الخليجي" في احتواء أزمات سابقة، جاءت الأزمة الأخيرة بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والامارات العربية من جهة أخرى لتضع صيغة التعاون الخليجي في مهب الريح.
علاقات الدول الثلاث مع قطر لم تكن في أحسن حال خلال السنوات الماضية، وشهدت أكثر من مرة حالات توتر وتبادل الاتهامات، لكن لم يسبق أن وصل الأمر إلى حد سحب السفراء، كما حصل مؤخرا.
بيان الدول الثلاث الذي شرحت فيه أساب الخطوة المفاجئة بدا غامضا، وفي العموميات، باستثناء إشارة واحدة صريحة عن عدم التزام الدوحة بالاتفاقية الأمنية بين الدول الخليجية. لكنّ ما يتسرب من معلومات في وسائل إعلام محسوبة على دول الخليج الثلاث يعطي الانطباع بأن سحب السفراء ماهو إلا خطوة أولى ستتبعها خطوات إذا لم تنتهج القيادة القطرية سياسة جديدة في عديد الملفات محل الخلاف، وهي كما أكد بيان قطري رسمي قضايا عربية وليست خليجية، في إشارة واضحة إلى الموقف من التطورات في مصر.
عرف عن الدبلوماسية الخليجية، والسعودية على وجه التحديد، أنها دبلوماسية هادئة، تحسب خطواتها وببطء شديد أحيانا. لكنّ القرار الأخير بدا انفعاليا، وخارج السياق المعهود، ويهدد بالفعل بتصدع أساسات البيت الخليجي. وفي مقابل ذلك الانفعال ظهرت قطر من خلال ردها على القرار أنها الأكثر حرصا على استقرار مجلس التعاون، عندما أعلنت انها لن ترد بالمثل على قرار طرد السفراء.
بيد أن ذلك الموقف لايقلل من خطورة ماحصل على دور قطر في المستقبل؛ فالدوحة اليوم مهددة بعزلة خليجية وعربية، إذا لم تتمكن من احتواء الغضب السعودي. ثمة مشاكل عويصة تواجه الدوحة مع مصر في عهد السيسي، وبرود ملحوظ في العلاقة مع الأردن، ومواجهة مفتوحة مع نظام بشار الأسد. ومع دول المغرب العربي الأمور ليست على مايرام بالنظر إلى الدور الإشكالي لقطر في تونس وليبيا. ولا ننسى العراق بالطبع التي تناصب حكومتها العداء علنا لقطر والسعودية أيضا.
لقد كانت الأزمة السورية فرصة نادرة للتوافق القطري السعودي، لكن حتى هذه الفرصة فوتها البلدان، ودخلا في تنافس على الأدوار انتهى إلى خلاف علني على آليات إدارة المعارضة السورية، وأشكال الدعم المقدمة لها.
لا نعلم إن كان توقيت القرار بسحب السفراء مقصودا أم لا؛ فهو يسبق انعقاد القمة العربية المقررة بالكويت قبل نهاية الشهر الحالي. في الحالتين فإن الأزمة مع قطر ستلقي بظلالها على أعمال القمة، وتعيق فرص التوافق العربي حول ملفات عربية ساخنة، تستدعي دورا عربيا فاعلا. ولهذا تبذل الدولة المستضيفة "الكويت" جهودا دبلوماسية في هذه الأثناء، لتسوية الأزمة، كي لاتنفجر في حضنها.
على كل الأحوال، مايحصل ليس بالحدث الاستثنائي؛ فكل قمة عربية كانت مسرحا للخلاف، وهذه المرة سيكون بنكهة خليجية.