عودة " القرم " الى الاحضان الروسية


القرار الصادر اليوم الخمسيس عن مجلس النواب في جمهورية شبه جزيرة القرم ذاتية الحكم والتي تعتبرمسرح الازمة الراهنة بين موسكو وكييف الذي تلاه نائب رئيس الوزراء والمتضمن انفصال شبه الجزيرة بشكل رسمي عن اوكرانيا وعودتها الى عهودها التاريخية السابقة في احضان الاتحاد الروسي الام والطلب من روسيا اتخاذ الاجراءات اللازمة لمثل هذا الانضمام، يضع هذا القرار نهاية لكل التكهنات والجدل الدائر منذ استيلاء العصابة النازية المسلحة على السلطة في كييف بشكل مخالف للدستور وبطريقة السطو المسلح حول مستقبل القرم المستمر منذ بداية الازمة هناك ، كما منح روسيا الشرعية باستخدام كافة السبل والوسائل لتأمين الامن والاستقرار في هذه المنطقة الروسية العائدة ويقطع الطريق امام كل المحاولات اليائسة التي يقوم بها اعضاء ما يسمى السلطة الجديدة في كييف لبسط نفوذهم على شبه الجزيرة ، اضافة الى رفع الكرت الاحمر بوجه وزراء وقادة الاتحاد الاوروبي المجتمعين اليوم في بروكسل لمناقشة موضوع اوكرانيا والقرم على وجه الخصوص. القرارالصادر من سيمفروبل جريء الى درجة البطولة ويستند قبل كل شيء الى المزاج الشعبي في هذا الجزء من روسيا والذي قدمه الرئيس الروسي نيكيتا خروتشوف الاوكراني الاصل هدية لزوجته الخخلوشكا في العام 1954 لتقضي فترة نزهتها على الشواطىء الدافئة للبحر الاسود والازوف ابان الحقبة السوفياتية ، كم يستند ايضا الى الواقع الجغرافي والسياسي والديموغرافي ، حيث يشكل السكان الروس هناك الغالبية المطلقة من السكان في حين يشكل الاوكرانيون النسبة المطلقة للاقليات وهم لا يؤيدون الانقلاب النازي المسيطر في كييف اليوم ، بينما يميل التتار اصلا صوب روسيا لارتباطهم الروحي والوطني بجمهورية تتارستان في الاتحاد الفيدرالي الروسي . من هنا يمكن القول ان بوادر فشل الانقلاب والانقلابيين ومن ورائهم امريكا والاوروبيين تبدو الان جلية للعيان وان اي تهديد بفرض عقوبات على روسيا مجرد هراء ولا تتأثر به روسيا و لن يحل المعضلة بل سيعمل على تفاقمها ويدفع بالعديد من المناطق الشرق اوكرانية مثل دانيتسك ولوغانسك وخاركوف ذات الاغلبية الروسية المطلقة والتي تشهد منذ بداية الانقلاب في كييف احتجاجات واعتصامات شعبية كبيرة مناهضة للفاشيين الجدد في كييف ، مطالبين باستفتاء شعبي عام على وضع هذه المناطقللاعلان عن انفصالها عن كييف وانضمامها الى روسيا ايضا ، اضف الى ذلك الدعوات التي اطلقها سكان اوديسا ومحافظة نيكولايف وخيرسون على ساحل البحر الاسود والقريبة من القرم للانضمام الى جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي . المشهد اليوم اصبح اكثر تعقيدا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في ظل هذه التطورات المتسارعة والاحداث التي تشهدها الساحة الاوكرانية في كل ساعة وليس كل يوم ، فاذا كانت الولايات المتحدة ومعها سلطة النازيين في كييف تتذرع بحجة تدخل او احتلال روسي للقرم وتطالب الناتو والمجتمع الدولي للرد فماذا عساها اليوم تقول للشعب الذي اختار الانضمام والعودة الى روسيا في القرم لتصبح هذه المنطقة جزءا من روسيا الاتحادية ولروسيا الحق في حماية امن واستقرار مناطقها وشعبها؟ هل ستلجأ سلطات كييف مدعومة من الناتو لاحتلال القرم واعادته الى سيطرتها قسرا ؟ وهل ستقف روسيا مكتوفة الايدي ؟ اسئلة على امريكا وحلفائها التفكير فيها بجدية. الوجود الروسي قبل اليوم كان مقصورا على الاسطول البحري ، هذا الوجود محكوم باتفاقية بين اوكرانيا وروسيا وتم التمديد له حتى العام 2042 في عهد الرئيس يانوكوفيتش ، اما اليوم فليس هناك وبعد هذا القرار من سيمفروبل امام روسيا ما يمنعها من نشر قواتها المسلحة على رقعة من اراضيها بشكل شرعي وقانوني ولا يحق لاحد لا في امريكا ولا اوروبا الاعتراض على مثل هذه الخطوة والتي اعتقد بانها ستبدأ قريبا ، كما لا نستبعد وبعد قرار مجلس النواب في القرم تقديم موعد الاستفتاء على الانفصال الى يوم 16 اذار الجاري بدل الثلاثين منه كما كان مقررا بالسابق وهو ما توقعناه في مقال اخر ان يتم انضمام الشرق وباقي الجنوب الاوكراني الى شبه جزيرة القرم والانضواء تحت الراية والحكم الروسي. عندها ماذا سيبقى لاوكرانيا من موارد اذا ما عرفنا ان معظم الصناعات الخفيفة والثقيلة ومناجم الفحم التي بدأت تنضب شيئا فشيئا والمراكز العلمية والبحثية المهمة تتواجد في الشرق الاوكراني ؟ هل ستبقى وقتها اوكرانيا الابن المدلل والمطموع به لدى الاتحاد الاوروبي ، وهل ستستمر اوروبا بممارسة ضغوطها لضم اوكرانيا اليها وهي مفلسة وذات اقتصاد مهترىء متآكل ومثقلة بالديون الخارجية لتضيف اوروبا الى عجزها ثقلا اخر؟. ليس لدينا ادنى شك ان يعلن شرق اوكرانيا اليوم او في الايام او الساعات القريبة القادمة انفصاله ايضا عن السلطات الفاشية الجديدة المتمركزة في العاصمة كييف لتنضم الى الاتحاد الروسي اسوة بالقرم وهو ما بدأنا نلاحظة من رفع الاعلام الروسية على المباني الرسمية وفي حديث الشارع العام في تلك المناطق، وبذلك سيبدأ المشوار الجديد لادارة اوباما والاتحاد الاوروبي في البحث عن حلول تحفظ لهم ماء الوجه بعد فشلهم امام الروس في اكثر من موقع وموقف بدءا بسوريا وانتهاء بالملف النووي الايراني ، وتبدأ عملية اعادة الحسابات بما يتفق والشروط الروسية في مجمل القضايا على الساحة الدولية.