آن الوقت لاستخراج المشكلات الدفينة
يبدو ان التشاؤم بات يتسيد المناخ المحيط بخطة كيري. كثير من الدبلوماسيين لا يترددون اليوم بالتعبير المباشر عن تشاؤمهم من قدرة الادارة الامريكية على انجاز مقترحات التسوية. بعضهم يقرأ ايضا ان الدبلوماسية الامريكية بدأت عملية الانسحاب التدريجي عبر اضفاء البرود على الحراك الامريكي. تجنب وزير الخارجية الأمريكي كيري زيارة المنطقة واستدعى أطراف التسوية للتشاور في باريس. القراءة السياسية لهذا البرود الامريكي تفتح باب التأويلات المتعددة الا ان الخلاصة الأهم ان أرضية التسوية ليست جاهزة.
أردنيا قدم شكل الحراك الأردني الناتج عن التحرك الأمريكي مادة مهمة للبحث. كثير من المشكلات العالقة في الداخل الاردني واشكاليات الفكر الاردني تظهر كلما عرضت حلقة جديدة من مسلسل التسوية الأمريكية. الحقيقة ان المناخ الذي خلقه حراك وزير الخارجية الأمريكي يتطلب منا كأردنيين التوقف عند جزئية مهمة لا يمكن الاستمرار في التغاضي عنها وهي كيفية تطوير المشروع الديمقراطي الاردني بعيدا عن التداعيات الاقليمية او الاهواء الدولية.
حالات الشحن التي مازالت تداعياتها تسيطر على المناخات في المجتمع لا بد ان تصل الى نهاياتها، كذلك هي المسائل العالقة التي يجب ان تجد حلولا واقعية ومنطقية تنهي فكرة الاستثمار والتجيير او الاستغلال والتكسب. القضايا الانسانية العالقة يجب ان لا تكون سلعة يتاجر بها أصحاب المطامع السياسية. وطمأنة فئة كبيرة من الشعب الأردني تحتاج للغة حوار هادئة ومقنعة وقبلها تحتاج لأدوات فعالة للتواصل مع الداخل، ندرك للأسف عدم وجودها في كل مرة يتعرض المجتمع لاختبار يحتاج النجاح به لتفعيل أدوات الاتصال مع الداخل.
اما الجزئية الأخرى التي تحتاج لدراسة حقيقية فهي تتعلق بسيكولوجية الخطاب. تطوير آليات ومضامين الخطاب بحيث يتم انتاج خطاب تطميني لا تخويني، يوحد ولا يفرق، خطاب يعيد انتاج كثير من المفاهيم المعاصرة ويسقطها على الواقع الأردني. أما الأهم فنحن بحاجة لخطاب يعرض الامور بشفافية ولا يحتكر المعلومة.، لأن احتكار المعلومة يعني اعطاء مساحة واسعة للإشاعات التي تملأ الفراغ و بالتالي من الطبيعي ان تواجه حالة حجب المعلومة و احتكارها في الغرف المغلقة بمعلومات بديلة تحول الى قناعات راسخة مع مرور الزمن.
كثيرة هي المشكلات العالقة وكثيرة هي أيضا التحديات القادمة. مشكلة تطور الهوية وشكلها وتثبيتها ومشاعر امتلاكها، ومشكلة التعامل مع النمو الطبيعي للمجتمع مشكلة قبول الآخر والشعور.
نحتاج اليوم لإخراج المشكلات الدفينة الى السطح و التعامل معها بمنتهى الشفافية، واعترافنا بوجود المشكلة هو اولى خطوات الحل. تفسخ المجتمع وفقدان الشعور بقضية موحدة وعدم الشعور بالقرب من الاخر هو أخطر الأعراض التي تمر بها المجتمعات. آن الاوان ان ننظر للمستقبل بعيون واسعة فنحن لا نرغب في ان نكون مغتربين عن واقعنا ونبقى نجاهد لتجاوز هذا الاغتراب.