د. موسى شتيوي يكتب :"المبادرة النيابية" وتطور العمل البرلماني
نتيجة لاستحقاقات الانتخابات النيابية الماضية، وبروز مفهوم الحكومة البرلمانية، ودور المشاورات الجماعية في التوصل إلى إجماع على رئيس وزراء معين، برزت الكتل النيابية باعتبارها تطوراً مهماً في الحياة البرلمانية. لكن سرعان ما بدأت غالبية الكتل بالتشظي في أول استحقاق؛ بدءاً باختيار رئيس للوزراء، ثم التصويت على الثقة بالحكومة. فبدا جلياً أنه لا يوجد تجانس فكري وسياسي بين أغلب أعضاء الكتل، وأن النواب تصرفوا، في النهاية، بوصفهم أفراداً، مخالفين لكتلهم في كثير من المواقف. والأهم من ذلك كله، أن الكتل فشلت في الاصطفاف بشكل واضح مع الحكومة أو ضدها، واستمرت هذه الكتل في احتواء أعضاء داخلها ممن هم مع أو ضد الحكومة، ما سهل مهمة الأخيرة في العمل مع المجلس.
جاءت "المبادرة النيابية" التي أسسها الدكتور مصطفى الحمارنة مفاجأة نيابية من العيار الثقيل؛ إذ أعلنت أنها ستعمل مع الحكومة طالما التزمت ببرنامج إصلاحي متفق عليه، فيما ستُوقف دعمها للحكومة في حال تخلت عن هذا البرنامج. وبدأ أعضاء "المبادرة" بالعمل على بلورة برامج ومناقشتها مع الحكومة.
واعتبر أعضاء "المبادرة" أن ما يقومون به يأتي تجسيداً لرغبة جلالة الملك في أن تتبلور في البرلمان كتل داعمة للحكومة استناداً إلى برنامج معين، وأخرى معارضة لسياسات الحكومة، وتعمل بوصفها "حكومة ظل"، علّ وعسى أن تتحول هذه الكتل إلى تيارات سياسية في المستقبل، وتكون نواةً لأحزاب سياسية. لكن الأهم في "المبادرة" أنها جاءت عابرة للكتل، لكن لم تشكل كتلة منفصلة، فحافظ أعضاؤها على عضويتهم في كتلهم.
لم يرق ذلك للعديد من النواب أو الكتل، وتمت مهاجمة "المبادرة" من خلال شخص مؤسّسها، أو بسبب بعض طروحاتها. وتمثلت الحجة الرئيسة في أن "المبادرة" ليست كتلة، وهي مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب؛ وأنها لا تعمل مع الحكومة من خلال المجلس، بل بشكل مباشر في أغلب الأحيان. لكن بعد الهجوم النيابي على مؤسّس المبادرة، أبدى أعضاؤها تماسكاً غير متوقع، وانضم إليها أحد أقطاب العمل النيابي، الذي يرأسها حالياً، وهو سعد هايل السرور. التطور المهم واللافت للنظر في هذا المجال، هو وجود بوادر لتشكيل "ائتلاف نيابي" بالمنهجية نفسها لـ"المبادرة النيابية"؛ من حيث أن الأعضاء من كتل مختلفة، ويجتمعون على أهداف وسياسات محددة، ولكن على أساس معارض للحكومة ولبرنامج "المبادرة النيابية" في الوقت نفسه.
وإذا ما نجح تشكيل مبادرة "الائتلاف النيابية" المعارضة، فسيكون لدينا في البرلمان، وللمرة الأولى، وبشكل علني، تحالف نيابي داعم للحكومة ضمن برنامج عملي مُحدد، وتحالف نيابي معارض للحكومة. وهو ما قد يأخذ المجلس خطوة إلى الأمام نحو تطوير مفهوم الحكومة البرلمانية.
لكن هذا التطور يعيد خلط الأوراق في العمل الجماعي للمجلس، ويطرح أسئلة بحاجة إلى إجابة عنها في المستقبل. السؤال الأهم قد يكون: أين تقف الكتل النيابية والنواب المستقلون من "المبادرة" الداعمة للحكومة ضمن برنامج متفق عليه، مع وجود "مبادرة ائتلافية" معارضة للحكومة وللمبادرة في الوقت نفسه؟ هل سنشهد اصطفافاً أكبر مع هاتين المبادرتين؟ وهل تستطيع الكتل النيابية العمل وإلزام أعضائها بالتصويت بحسب رأي الكتلة، أم سيكون ذلك وفق عضوية الائتلاف؟ وهل سيبقى أقطاب العمل البرلماني خارج هذه المعادلة؟ وهل سنشهد بروز ائتلاف نيابي ثالث يأخذ موقفاً وسطياً؟ وهل ستتحول هذه المبادرات إلى كتل نيابية، أم تبقى خارج التكتلات؟ هذه الأسئلة كلها برسم الإجابة عنها في المرحلة المقبلة.
إن ظهور ائتلاف نيابي عابر للكتل معارض، باعتباره ردّاً على ائتلاف "المبادرة النيابية"، قد يكون من أهم التطورات في العمل البرلماني الأردني. والنتيجة المباشرة لبروز الائتلاف المعارض هي إضفاء الشرعية على "المبادرة النيابية" وفتح المجال أمام اصطفاف النواب حول البرامج والسياسات لكل منهما. إضافة إلى ذلك، فقد يؤدي هذا التطور إلى إعادة رسم خريطة التحالفات النيابية، وقد يدفع باتجاه عمل برلماني أكثر واقعية.
بالطبع، هذه لن تكون عملية سهلة، ولكنها قد تكون البداية.
جاءت "المبادرة النيابية" التي أسسها الدكتور مصطفى الحمارنة مفاجأة نيابية من العيار الثقيل؛ إذ أعلنت أنها ستعمل مع الحكومة طالما التزمت ببرنامج إصلاحي متفق عليه، فيما ستُوقف دعمها للحكومة في حال تخلت عن هذا البرنامج. وبدأ أعضاء "المبادرة" بالعمل على بلورة برامج ومناقشتها مع الحكومة.
واعتبر أعضاء "المبادرة" أن ما يقومون به يأتي تجسيداً لرغبة جلالة الملك في أن تتبلور في البرلمان كتل داعمة للحكومة استناداً إلى برنامج معين، وأخرى معارضة لسياسات الحكومة، وتعمل بوصفها "حكومة ظل"، علّ وعسى أن تتحول هذه الكتل إلى تيارات سياسية في المستقبل، وتكون نواةً لأحزاب سياسية. لكن الأهم في "المبادرة" أنها جاءت عابرة للكتل، لكن لم تشكل كتلة منفصلة، فحافظ أعضاؤها على عضويتهم في كتلهم.
لم يرق ذلك للعديد من النواب أو الكتل، وتمت مهاجمة "المبادرة" من خلال شخص مؤسّسها، أو بسبب بعض طروحاتها. وتمثلت الحجة الرئيسة في أن "المبادرة" ليست كتلة، وهي مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب؛ وأنها لا تعمل مع الحكومة من خلال المجلس، بل بشكل مباشر في أغلب الأحيان. لكن بعد الهجوم النيابي على مؤسّس المبادرة، أبدى أعضاؤها تماسكاً غير متوقع، وانضم إليها أحد أقطاب العمل النيابي، الذي يرأسها حالياً، وهو سعد هايل السرور. التطور المهم واللافت للنظر في هذا المجال، هو وجود بوادر لتشكيل "ائتلاف نيابي" بالمنهجية نفسها لـ"المبادرة النيابية"؛ من حيث أن الأعضاء من كتل مختلفة، ويجتمعون على أهداف وسياسات محددة، ولكن على أساس معارض للحكومة ولبرنامج "المبادرة النيابية" في الوقت نفسه.
وإذا ما نجح تشكيل مبادرة "الائتلاف النيابية" المعارضة، فسيكون لدينا في البرلمان، وللمرة الأولى، وبشكل علني، تحالف نيابي داعم للحكومة ضمن برنامج عملي مُحدد، وتحالف نيابي معارض للحكومة. وهو ما قد يأخذ المجلس خطوة إلى الأمام نحو تطوير مفهوم الحكومة البرلمانية.
لكن هذا التطور يعيد خلط الأوراق في العمل الجماعي للمجلس، ويطرح أسئلة بحاجة إلى إجابة عنها في المستقبل. السؤال الأهم قد يكون: أين تقف الكتل النيابية والنواب المستقلون من "المبادرة" الداعمة للحكومة ضمن برنامج متفق عليه، مع وجود "مبادرة ائتلافية" معارضة للحكومة وللمبادرة في الوقت نفسه؟ هل سنشهد اصطفافاً أكبر مع هاتين المبادرتين؟ وهل تستطيع الكتل النيابية العمل وإلزام أعضائها بالتصويت بحسب رأي الكتلة، أم سيكون ذلك وفق عضوية الائتلاف؟ وهل سيبقى أقطاب العمل البرلماني خارج هذه المعادلة؟ وهل سنشهد بروز ائتلاف نيابي ثالث يأخذ موقفاً وسطياً؟ وهل ستتحول هذه المبادرات إلى كتل نيابية، أم تبقى خارج التكتلات؟ هذه الأسئلة كلها برسم الإجابة عنها في المرحلة المقبلة.
إن ظهور ائتلاف نيابي عابر للكتل معارض، باعتباره ردّاً على ائتلاف "المبادرة النيابية"، قد يكون من أهم التطورات في العمل البرلماني الأردني. والنتيجة المباشرة لبروز الائتلاف المعارض هي إضفاء الشرعية على "المبادرة النيابية" وفتح المجال أمام اصطفاف النواب حول البرامج والسياسات لكل منهما. إضافة إلى ذلك، فقد يؤدي هذا التطور إلى إعادة رسم خريطة التحالفات النيابية، وقد يدفع باتجاه عمل برلماني أكثر واقعية.
بالطبع، هذه لن تكون عملية سهلة، ولكنها قد تكون البداية.