مهلة جبهة النصرة انتهت والحرب لتصفية الدولة الاسلامية اوشكت

لا نعرف ماذا سيكون موقف الشيخ اسامة بن لادن وهو يرى الصدامات الدموية المشتعلة وتيرتها حاليا بين تنظيمين يقول قادتهما انهم ينتمون الى فكر تنظيم "القاعدة” الجهادي الاصولي، ويسيران على نهج مؤسسه، فالرجل انتقل شهيدا من دار الفناء الى دار البقاء.

لكن من المؤكد ان الشيخ بن لادن، لو كان حيا، لن يكون سعيدا وهو يرى حالة العداء والصدامات الدموية التي تأتي ترجمة لها، بين تنظيمي الدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وسيشعر بالاكتئاب وهو يرى انصار الفريقين يتساقطون بالمئات وربما الالآف برصاص بعضهما البعض في اكثر المعارك شراسة على الارض السورية، وربما قريبا جدا في العراق.

التنظيمان كانا في الاصل تنظيما واحدا، والشيخ ابو الفاتح الجولاني كان مقاتلا تحت راية الدولة الاسلامية في العراق بزعامة الشيخ ابو بكر البغدادي، وانتقل الشيخ الجولاني للقتال في سورية ضد النظام بتكليف من الاول لتأسيس فرع للدولة هناك.

الخلاف ظهر الى العلن عندما رفض الشيخ الجولاني بيانا اصدره اميره السابق بضم جبهة النصرة الى الدولة الاسلامية في العراق بعد اضافة "الشام” اليها، وانتصر الدكتور ايمن الظواهري لموقف الجولاني، وافتى بان يقاتل البغدادي في العراق والجولاني السوري في سورية كحل وسط، وعندما رفض الاول، اي الشيخ البغدادي هذه الفتوى او الحل الوسط، جاء الرد بالاعتراف بجبهة النصرة كممثل لتنظيم "القاعدة” في سورية، في سحب واضح لهذه الصفة التمثيلية عن الدولة الاسلامية في العراق والشام الامر الذي جرى تفسيره من قبل البعض على انه اعطاء ضوء اخضر لتصفيتها، وهذا تفسير غير دقيق في رأينا.

***

الحرب ضد الدولة الاسلامية بدأت مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي، وخاضت الجبهة الاسلامية التي تضم احرار الشام والجيش الاسلامي ولواء التوحيد مدعومة بجبهة النصرة حربا شرسة ضد الدولة الاسلامية في شمال غرب سورية وشرقها مما اسفر عن سقوط اكثر من 3300 شخص من الجانبين، حسب اكثر التقديرات تواضعا.

وجاء مقتل الشيخ ابو خالد السوري مع ستة من رفاقه في تفجير انتحاري الاحد الماضي في مدينة حلب ليزيد نار العداء اشتعالا، حيث جرى توجيه الاتهام الى الدولة الاسلامية بالوقوف خلف عملية الاغتيال هذه، وهو ما نفته الدولة عبر بيان رسمي لها، وقالت "ان هذا الاتهام يقع في خانة الاشاعات التي تهدف لتشويه صورة الدولة وتبرير قتالها في خضم مؤامرة الصحوات على المشروع الجهادي في الشام”.

ويأخذ معارضي الدولة الاسلامية عليها، ومن بينهم الشيخ الجولاني، ما يصفونه بمغالاتها الشديدة في "التكفير” واقامتها الحدود على من يخالفها من طوائف ومذاهب، بما في ذلك بعض اتباع "المذهب السني”، وقطع يد السارق، وفرض الجزية على المسيحيين في منطقة الرقة التي تخضع لسلطتها.

الشيخ ابو خالد السوري الذي فجرت عملية اغتياله الدموية البشعة المواجهات الحالية يتمتع بمكانة خاصة في اوساط الجماعات "الجهادية المقاتلة”، فهو رفيق درب الدكتور ايمن الظواهرين ومن رفاق الشيخ اسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة، ومن اصدقاء منظر تنظيم الشيخ ابو مصعب السوري، ولهذا جاءت عملية اغتياله في عملية انتحارية لتفجر غضب الكثيرين الى جانب الجولاني، وخاصة الشيخ عمر عثمان "ابو قتادة” المعتقل حاليا في الاردن الذي انحاز بوضوح لجبهة النصرة.

جهات عديدة ستكون سعيدة جدا، وتفرك اياديها فرحا، وهي ترى هذا التدهور لحد الصدام بين تنظيمي الدولة الاسلامية وجبهة النصرة، الفرعين البارزين لتنظيم "القاعدة” خاصة في العالم الغربي، ناهيك عن قادة النظام في دمشق، فقد كان مقاتلوا التنظيمين الاكثر شراسة في القتال ضد قواته، وكانا يخططان سويا، او كل على حدى، لتحويل الارض السورية الى قاعدة انطلاق لشن هجمات ضد الغرب "الكافر”.

تصفية تنظيم الدولة الاسلامية هو الهم الاكبر حاليا لمعظم الجبهات الاسلامية المقاتلة على ارض سورية، وتتقدم على ما عداها من اهداف اخرى بما في ذلك محاربة النظام والشيء نفسه يقال عن الدولة الاسلامية في المقابل.

ما يطلق عليه تسمية "المشروع الجهادي” يواجه امتحانا حقيقيا هذه الايام على الارض السورية، ولربما في العراق ايضا، ففي الماضي كانت عمليات محاربته تأتي غالبا من الخارج، او بدعم منه، مثل تشكيل قوات الصحوات في العراق لمحاربته مثلما فعل الجنرال بترايوس (80 الفا مقابل 300 دولار للمجند)، او محاولة القاء هذه المهمة نفسها على بعض فصائل الجيش الحر في سورية، لكن من الواضح الآن وبالنظر الى الصدامات الحالية المتفاقمة، وتهديد الشيخ الجولاني باعلان الحرب على الدولة الاسلامية في العراق وسورية معا اذا لم تقبل "تحكيم شرع الله على انفسنا قبل ان نطبقه على الناس″ محذرا من انه "في حال رفضكم حكم الله مجددا، ولم تكفوا بلاءكم عن الامة، لتحملن الامة على الفكر الجاهل المعتدي، ولتنفينه حتى في العراق” انه لم تعد هناك حاجة لتشكيل "قوات صحوات” للقيام بهذه المهمة فالجماعات الجهادية ستتولى تصفية بعضها البعض.

***

انها "ازمة” ستكون نتائجها وخيمة بل ودموية، فقد جرى اتهام الدولة الاسلامية في السابق برفض وساطة، وحكم اهل الحل والعقد من مشايخ اسلامية واحكامهم، وعلى راس هؤلاء الدكتور الشيخ ايمن الظواهري والشيخ السعودي عبد الله المحيسني، والمهلة التي اعطتها جبهة النصرة لخصمها تنظيم الدولة ومدتها خمسة ايام، انتهت يوم السبت، وبات الطرفان يستعدان للمواجهة التي قد تكون اكثر دموية من سابقاتها.

انها الحرب اذن.. وامكانيات تطبيق حكم الشرع لحقن الدماء تبخرت كليا، وعداد احصاء القتلى سيستأنف العد قريبا جدا الا اذا حدجثت معجزة ونحن لسنا في زمن المعجزات.

يبدو ان النظرية التي تقول بان من اهداف الحرب في سورية تجميع العناصر المتشددة التي تتبنى فكر تنظيم القاعدة من مختلف الدول العربية والاسلامية من اجل القضاء عليها وتصفيتها، نظرية تنطوي على الكثير من المصداقية، والصدام الدائر حاليا فيما بينها، تأكيد لها، وكذلك اصدار دول خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية واخرى غربية مثل بريطانيا بتجريم هؤلاء المقاتلين وتوعدهم بالسجن بعقوبات تصل الى عشرين عاما وسحب جنسياتهم (بريطانيا) هو تأكيد اضافي آخر، والرسالة واضحة لهم وتقول: "لم يعد امام الا القتال حتى الموت سواء ضد بعضهم البعض او ضد النظام، فلا نريدكم احياء وانما في الاكفان اي كان القاتل”.