هل نحن في الأردن؟
من يقرأ الخبر المنشور حول حديث رئيس الوزراء د. عبد الله النسور مساء الخميس الماضي في نادي الملك حسين، يتساءل إن كان الرئيس يتحدث عن الأردن أو حول بلد آخر، ويظن أيضا أن الأحوال الاقتصادية في البلد "قمرة وربيع".
الرئيس بدا مبالغا في التفاؤل لدرجة تعطي تصورا مغلوطا عن الحال لمن لا يمتلك خلفية واضحة، أو ليس متابعا للشأن المحلي.
ليس المطلوب أن نغرق في التشاؤم، وأيضا ليس صحّيا أن نسهب في التفاؤل.
في حديثه، استرسل الرئيس في شرح المنجزات الاقتصادية التي أحرزتها حكومته، وكأنه يقدم جردة حساب لكل ما فعله وفريقه خلال مدة تواجدهم في الدوار الرابع.
تقول صديقة مختصة بالشأن الاقتصادي، نحن الأردنيين عادة ما نضخم الأشياء، وثمة مبالغة في تقييم الأحداث سلبيا أو إيجابيا، والمطلوب الواقعية ووضع الأشياء في حجمها الطبيعي، كون التطرف؛ أيا كان، يبعدنا عن الحلول الحقيقية.
الرئيس اقتصر الحديث على الجانب الاقتصادي، وربما يعود ذلك لتبديد أحاديث تسري، تؤكد أن أزمة حكومة النسور وأسباب رحيلها، إن حدثت، سترتبط بشكل وثيق بالوضع الاقتصادي، أو هي إدراك من النسور نفسه أن مأزق الأردن اقتصادي وليس سياسيا.
كل ما قاله الرئيس صحيح، رغم أن بعض الأرقام التي استعرضها قديمة نسبيا، وتعود للشهر قبل الأخير من العام الماضي.
كان النسور، كما لو أنه اعتبر المحاضرة مناسبة للرد على كل ما يقال من أن عمل الحكومة الاقتصادي يقتصر على الجباية وزيادة الإيرادات، وهذا حق للحكومة لا جدال فيه.
الحديث بدأ من سياسات الدعم للسلع والخدمات، والتي أكد أنها لا يمكن أن تستمر للأبد، مرورا بعجز الموازنة وتقليصه، والمنحة الخليجية والإنفاق الرأسمالي الذي زاد في عهد حكومته.
الرئيس استعرض، أيضا، الإيجابيات التي حققتها حكومته في قطاع الطاقة، وقدّم شرحا عن مشاريع الطاقة التي تخطط لها والمنجز في هذا المجال، إلى جانب شرح تطورات ملفات أخرى؛ مثل تفعيل صندوق المحافظات، وضبط النفقات التي أدت إلى تقليص العجز، بحسب ما يرى، إضافة إلى ارتفاع حجم الاحتياطي الأجنبي، وزيادة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كل ما قاله الرئيس جيّد، لكنه غير كاف لتحسين مزاج الأردنيين الذين ينظرون للحكومة باعتبارها نافذة الجباية فقط، تفتقد للتخطيط القائم على الأهداف، إذ ما نفع كل ما قامت به الحكومة طالما أنه لم يساعد البلد على تجاوز خطوط التهديد، التي يرسمها حجم المديونية التي حلّقت، ويتوقع أن تبلغ 21 مليار دينار نهاية العام الحالي.
النسور شدد على أهمية الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص، لكنه نسي أن حكومته همّشت الجهة المعنية بالشراكة بين الطرفين إلى درجة مديرية في وزارة المالية، يفترض أنها ستشرف مستقبلا على تنفيذ مشاريع كبرى تنفذ مع القطاع الخاص، بقيمة تناهز 15 مليار دولار.
كيف لنا أن نحتفل بمنجزات الحكومة الاقتصادية والإنفاق الحكومي توسع لدرجة لا تنسجم مع الإمكانيات المحلية، وتجعل الأردن دائم الحاجة للدعم والمساعدات الخارجية لكي يستطيع تغطية تكاليف نفقاته، فحجم الإنفاق العام الموزع بين الخزينة ومؤسسات مستقلة يبلغ نحو 11 مليار دينار، والإيرادات المحلية من مختلف المصادر لا تتجاوز 7 مليارات دينار!
ما نفع كل سبق إن أخفقت الحكومة في تحسين المزاج العام، ولم تنجح في تحسين تقييم المؤسسات الأممية مثل الصندوق والبنك الدوليين للوضع الاقتصادي لدينا؟
من حق الرئيس أن يتفاءل ويعرض منجزات حكومته، لكن من واجبه أيضا أن يعرض التحديات والملفات التي أخفقت حكومته في إدارتها.