مصادر القلق الأردني من الوطن البديل



موقف واضح وحازم عرضه العاهل الأردني الملك عبد الله يوم الأحد الماضي، أمام ممثلي مؤسسات الدولة مجلس النواب والأعيان، والحكومة، والمجلس القضائي والمحكمة الدستورية، حول موقف الأردن من فلسطين وقضيتها وشعب فلسطين وحقوقه، وأنه "مطلع على كل التطورات المتصلة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وما يخص مستقبل فلسطين و"كلما كان هناك جهد جدي في عملية السلام، يعود الحديث عن وهم الوطن البديل، وكأن السلام سيكون على حساب الأردن"، وقال، "لو جاء من جاء وقال سنقدم 100 مليار دولار للأردن على حساب مصالحه، سنقول له مع السلامة، لن نقبل أي فلس، إذا كان سيمس مستقبل شعبنا ووطننا"، ومع ذلك هناك قطاع واسع من الأردنيين، يشعرون بالقلق نحو الوطن البديل، وهذا حق لهم وعندهم ولديهم، وقلقهم مشروع، ليس لأن ذلك يمكن التحقيق أو سهولة التنفيذ، بل لوجود مظاهر حسية، تشير إلى ذلك ومنها:
أولاً: أطروحات اليمين الإسرائيلي المتطرف التي تتحدث علناً عن إقامة دولة فلسطينية شرق الأردن، باعتبار الأردن جزءاً من أرض إسرائيل الكاملة، وأن وعد بلفور وتطبيقاته أجحفت بحق اليهود وجعلت إقامة دولتهم فقط على أرض فلسطين غرب نهر الأردن، وأسقطت من الخارطة التنفيذية لوعد بلفور شرق الأردن، ولذلك يستطيع الفلسطينيون إقامة دولتهم شرق الأردن، بدلاً من غرب الأردن.
ثانياً: لقد فشلت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، واتفاقية أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية في إعادة النازحين للضفة والقدس والقطاع، وخاصة أبناء قطاع غزة الذين لا يحملون الجنسية الأردنية، وهم "بدون جنسية" الآن، فلا استطاعوا الحصول على المواطنة الأردنية، ولا استطاعوا العودة إلى قطاع غزة واستعادة رقمهم الوطني الفلسطيني – جنسيتهم – وجواز سفر فلسطيني يعيد لهم مواطنتهم الفلسطينية، حتى ولو بقوا في الأردن، أو عادوا للأردن لضرورة العمل، ولكنهم يبقون مثل المصريين والعراقيين والسوريين، من المواطنين العرب غير الأردنيين الذين يعملون في الأردن، ولكن استمرار وجودهم في الأردن في حالة "البدون" يشكل حالة القلق لدمجهم تدريجياً في عناوين المواطنة الأردنية.
ثالثاً: على الرغم من التوصل إلى اتفاق أوسلو وعودة أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني مع الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي حقق إنجازاً تاريخياً بنقل الموضوع الفلسطيني برمته من المنفى إلى الوطن، ونقل مؤسسات منظمة التحرير إلى داخل فلسطين وباتت بمثابة مؤسسات دولة، لبناء مشروع الدولة للشعب الفلسطيني داخل وطنه، الذي لا وطن له سواه، ومع ذلك فالمفاوضات تخطت العشرين سنة من عمرها ولم تحقق أغراضها بعد، ما يخلق حالة من القلق الأردني لفشل توجهات المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وإعادة صعود البرنامج الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي عمل ولا زال من أجل حل القضية الفلسطينية خارج فلسطين، وقد يكون أحد عناوين الحل هو الأردن.
رابعاً: أحاديث بعض القيادات الفلسطينية، ولو كانت بدوافع بريئة، أو لدوافع قومية، عن العلاقات الأردنية الفلسطينية، اتحادية، وحدوية، فدرالية، كونفدرالية، أو غيرها من العناوين، تثير القلق الأردني، كغطاء لمشاريع الحل برؤية إسرائيلية، وهي تعكس، من وجهة نظر الأردنيين، الضعف الفلسطيني أمام فشل انتزاع حقوق الشعب العربي الفلسطيني، واستعادتها من قلب الوحش التوسعي الاستعماري الإسرائيلي، ولذلك يجب أن يكون مفهوماً أن الأردنيين، كل الأردنيين لا يرتاحون، ولا يستسيغون الحديث عن أي علاقة أردنية فلسطينية قبل هزيمة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وانحساره وتراجعه، واستعادة الشعب العربي الفلسطيني لكامل حقوقه وخاصة 1- عودة اللاجئين إلى بيوتهم التي طردوا منها العام 1948 وفق القرار 194، و2- إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وفق القرار 181.
h.faraneh@yahoo.com