سعيد مهران

كان سعيد مهران هذا شاباً مصرياً أمياً يكسب رزقه من خدمة الطلبة الجامعيين في السكن التابع لجامعة القاهرة. تتوثق علاقة سعيد بأحد الطلبة وهو «رؤوف» الطالب في كلية الصحافة والإعلام والذي يُزين لسعيد السرقة بأنواعها ويقنعه بأن السرقة كسب مشروع: «مش مهم الفلوس تيجي من فين، المهم تيجي». يتزوج سعيد من «نبوية» الفلاحة المصرية التي تنجب له طفلة جميلة ويشكل عصابة للسرقة يساعده فيها «عليش» الذي لا يتوانى عن مغازلة نبوية وتلفيق تهمه لسعيد تدخله السجن، فتطلب نبوية الطلاق وتتزوج عليش.

أثناء وجوده في السجن لايفكر سعيد سوى في الانتقام ممن خانوه: «أنسيتِ عِشرة العمر أيتها المرأة النابتة في طينة اسمها الخيانة، وأنت يا عليش، أنسيت يا جامع أعقاب السجائر، كيف كنت تتمسح في ساقي كالكلب». بعد مرور أربعة أعوام يخرج سعيد من السجن فيتوجه إلى حيث بيته القديم: « لقد ظننتما أن باب السجن لن يفتح ولكن آن للغضب أن ينفجرَ ويَحرقْ». عليش ونبوية يتنكران له ويصاب بصدمة أكبر عندما لا تتعرف عليه ابنته الصغيرة. يلجأ سعيد الى معلمه رؤوف الذي علمه السرقة والانحراف والذي أصبح صحافياً متنفذاً ويطلب منه أن يجد له عملاً مناسباً لكي يحيا حياة كريمة: « لا يعقل أن تدفع بي إلى السجن وتثب أنت إلى القصور»، يتنكر له رؤوف ويطرده قائلاً: « أنت لص، أُخرج من بيتي».
يذهب سعيد إلى المسجد ليقابل الشيخ الصوفي الذي كان يزوره بصحبة ابيه وهو فتى صغير، لعله يجد عنده العزاء والسلوى: « مولانا الشيخ ماذا كنت تفعل لو ابتليت بمثل زوجتي التي خانتني مع حقير من أتباعي». يقول له الشيخ: «توضأ يا بني وخذ مصحفاً واقرأ حتى تزيل الحقد الذي في داخلك». يدير سعيد وجهه إلى جدار المسجد وكأنه يحتمي به فيقول له الشيخ: « سألتك أن ترفع وجهك إلى السماء وهأنت تدفنه في الجدار». يخرج سعيد من عند الشيخ الصوفي فتقوده قدماه الى حانه كان يرتادها قديماً حيث يلتقي على أنغام «زورني كل سنة مرة» لسيد درويش، مع شلة السوء القديمة ومنهم بائعة الهوى «نور» التي كانت دوماً تتمنى وصاله: «بدت نور أنحل مما كانت واختفى وجهها تحت المساحيق الدسمة ونطق بالاغراء فستانها الأبيض الذي انطلقت منه الاذرع والسيقان بلا حرج».
تطلب «نور» من سعيد ان يسكن معها: « أنا ما صدقت لقيتك، أنا احطك في عيني وأكحل عليك». يخطط سعيد للانتقام ولكن محاولاته «لتطهير الدنيا من كل الكلاب» تبوء بالفشل حيث يقتل أناساً ابرياء أثناء محاولاته قتل عليش ورؤوف.
ينشر رؤوف قصص القتل في الصحف فيصبح سعيد مطارداً من الشرطة التي تحاصره وتضيق الخناق عليه وهو في بيت «نور» في جبل القلعة بالقاهرة. يلاحظ سعيد من مخبئه المطل على المقابر المجاورة انه لا يمر يوم دون أن تستقبل القرافة (المقبرة) ضيوفاً جدداً: «جثث من كل الأشكال والألوان، هو الموت ده ما يبطلش أبداً». ينادي عليه أفراد الشرطه: «سعيد مهران سلم نفسك» لكنه يرفض الاستسلام ويتبادل إطلاق النار مع افراد الشرطة فيصاب ويستسلم.
تلكم كانت أحداث قصة «اللص والكلاب» وهي إحدى روايات الأديب «نجيب محفوظ» المأخوذة عن أحداثٍ حقيقية وقعت في مدينة الإسكندرية عام 1961 لتاجر مصري قام محاميه بخيانته والاستيلاء على زوجته وثروته. في هذه الرواية يأخذك نجيب محفوظ إلى أحياء القاهرة وشوارعها وأزقتها في العباسية والوايلي والفجالة وجبل المقطم فتشم عبق القاهرة وتعيش أجواءها الشعبية الأخاذة، هذا وقد تم تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي حيث كان رائجاً في حينها تحويل الكتب الأدبية إلى أفلام راقية المستوى. اذكر أنني شاهدت الفيلم وأنا صبي صغير مما دفعني إلى قراءة الكثير من مؤلفات نجيب محفوظ الذي سمي كذلك تيمناً بالطبيب «نجيب محفوظ باشا» طبيب الأمراض النسائية الشهير، الذي أشرف على ولادته المتعسرة، وقد حصل على جائزة نوبل للآداب في العام 1988 وتوفي في القاهرة في العام 2006.
هذه دعوة لجيل «الفيس بوك» و «التويتر» للعودة إلى بطون الأدب العربي فلا شيء يعادل قراءة كتاب تمسكه بين يديك أو تتصفحه على الانترنت.
ملحوظة: إحصائية عالمية تم نشرها حديثاً تشير إلى أن الأوروبي يقرأ خمسة كتب شهرياً. اتساءل كم كتاباً يقرأ العربي في حياته؟