الأزمة في أوكرانيا: الحذر سيد المواقف!


 

لن تغيب أزمة اوكرانيا المتمادية عن جدول أعمال «الكبار»، فالورطة الراهنة حقيقية وكل عواصم الغرب كما موسكو، كـ (بالع) الموس، أي حركة في أي اتجاه تستنزفه وقد تميته، ولهذا يبدي الجميع حذراً، ويحرص الكل على عدم إكمال الدعسة، فالدعسة الناقصة هنا اكثر فائدة من الذهاب الى نهاية الشوط (التشحيط) لان اوكرانيا ذات قيمة جيوسياسية حساسة، وفقدان الاتحاد الروسي لها يعني خللاً خطيراً في موازين القوى، سيستعيد فيها الرئيس بوتين مقولته الشهيرة التي لم يغفر له «الغرب» اطلاقها عندما قال: «انهيار الاتحاد السوفياتي اكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».
لهذا ايضاً، لم يسمع أحد بعد رأي فلاديمير بوتين، الذي أطفأ شعلة اولمبياد سوتشي الشتوي، وبات متفرغاً لهذه الأزمة الخطيرة التي انفجرت في وجهه، رغم انه كان شبه مطمئن الى أن الجزء الاكبر من الأزمة الاوكرانية قد تم تجاوزه وان اتفاق 21 شباط الذي وقّعه يانوكوفتش وزعماء المعارضة وترويكا الاتحاد الاوروبي (ورفض روسي) على رغم غموضه وكثرة افخاخه، فإنه كفيل بعدم انتصار المعارضة في شكل حاسم وخاصة بعد ان قدم الرئيس الاوكراني، المرتبك والمذعور، تنازلات كبيرة كان بامكانه تقديمها عند بداية الأزمة - إن كان ذلك في ذهنه - بدل أن يلجأ الى العنف ويسقط هذا العدد الكبير من الضحايا (حوالي مائة قتيل) دون إهمال شهادات شهود العيان التي تحدثت عن وجود اسلحة وقناصين داخل ميدان الاستقلال وقيل انهم شيشان.
ما علينا
المدقق في ردود فعل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة من الاحداث الدراماتيكية المتسارعة في اوكرانيا، يكشف بغير عناء حرص قادة هذه الدول على عدم استفزاز روسيا، بل ومحاولة استدراجها الى مربع الهدوء وعدم الانفعال والتعاطي مع المسألة بـ «ديمقراطية»، وهي ثقافة وأساليب استعمارية معروفة، تسعى لامتصاص غضب خصمها تمهيداً لمحاصرته ثم الاجهاز عليه ومدّ اللسان له او اصبع اليد الاوسط، وما ان تستقيم الاوضاع لهم حتى يخرجوا في غطرسة ولؤم وتشف ليقولوا «الامر لنا» كما فعلت واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وكما تعاملت مع موسكو خلال عهد يلتسين وخصوصا في سعيها لمحاصرة روسيا ونزع انيابها وإفقادها فضاءاتها الحيوية، عبر سياسة الزحف البطيء والالتهام الهادئ للجمهوريات السوفياتية السابقة تارة في ادخالها للاتحاد الاوروبي ودائما في منحها عضوية حلف شمال الاطلسي على نحو يجعل كل الاراضي الروسية وكامل ترسانتها الاستراتيجية ودفاعاتها الجوية والبرية تحت رحمة الترسانة الاطلسية (اقرأ الاميركية) ولم تكن منظومة الدرع الصاروخية التي ارادوا نصبها في بولندا (لاحقا.. استضافها اردوغان في بلاده) سوى الدليل الابرز على ذلك..
ماذا عن اوكرانيا؟
دع عنك وجود قواعد الاسطول البحري الروسي في موانئ اوكرانيا على البحر الاسود، ودع عنك الروابط الجغرافية والثقافية المتداخلة بين موسكو وكييف، حيث يرى الروس الاخيرة.. عاصمتهم، لكن ثمة ثلاث دول هي الاهم في كل المنظومة السوفياتية السابقة، وهي روسيا وروسيا البيضاء واوكرانيا، وهي التي كتبت ورقة «وفاة» الاتحاد السوفياتي عندما اجتمع قادة تلك الدول في مينسك عاصمة بيلاروسيا واصدروا الاعلان الشهير الذي عرف باعلان مينسك في 8/12/1991، ما يعني ان بوتين بات امام خيارين لا ثالث لهما، إما الاعتراف بالامر الواقع ما يعني هزيمة موصوفة يمكن ان يسجلها على نفسه وهي تسحب من رصيده السياسي وتٌضْعِف موقفه على الساحة الدولية كما في الداخل، ليعمل لاحقا على معاقبة «الانقلابيين» وقد لا ينجح، او ان يبادر الى خطوات مدروسة وحازمة ومتدرجة مشروطة بالعودة الى اتفاق 21 شباط على ما ألمح اليه لافروف في مكالمته مع نظيره الاميركي جون كيري، وهو الخيار المرجّح على ما تؤشر اليه تصريحات المسؤولين الروس فضلا عن الخطوة اللافتة في استدعاء السفير الروسي في كييف للتشاور «بسببب الوضع المتدهور واجراء تحليل شامل للوضع»..
هل سيصمت الغرب؟
الهاجس الذي يخيف الغرب بعد هو السيناريو اليوغسلافي أي تقسيم اوكرانيا بين شرقها الروسي (ان صح الوصف) وغربها الاوروبي، ما يعني ان اوكرانيا «الغربية» ستكون عبئا على اوروبا واميركا اكثر منها جائزة جيوسياسية ثمينة فاز بها الغرب اخيرا، لان شرق اوكرانيا «اغنى» بكثير من غربها في مجالات وقطاعات عديدة.
وحيث أن تقسيماً كهذا لن يتم عبر استفتاء ديمقراطي أو على الطريقة «التشيكية» الهادئة, بل سيكون بالاحتجاجات واعلان الانفصال والتمرد والعصيان المدني وغيرها من الاساليب المعروفة عن التاريخ وخصوصاً في التاريخ الاوروبي فإن احتمالات الحرب الاهلية أو التدخل العسكري لن تكون مستبعدة.
أين من هنا؟
روسيا لم تقل كلمتها بعد.
..العالم ينتظر.