الخوف والقلق من اطار كيــــري «ليســـا كافييــــن»
يستشعر الاردنيون والفلسطينيون بمختلف ارائهم وتوجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الايديولوجية الاخطار التي يمكن ان تترتب على خطة الاطار التي يعكف جـــون كيـــري وزير الخارجيــــة الامريكــــي على صياغــــتها هـــــذه الايام من خلال لقاءاته المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين اثناء جولاته المكوكية في المنطقة.
اينما ذهبت في العاصمة الاردنية عمان التي زرتها قبل يومين فان الحديث المسيطر في السهرات والاجتماعات وحفلات العشاء يتركز حول هذه الخطوة والتبعات السياسية التي يمكن ان تقود اليها فلسطينيًا واردنيًا.
اعترف ان الغالبية العظمى ممن قابلتهم يسيطر عليهم القلق والخوف، فهناك من يخشى التوطين وبعضهم الآخر يعود لترديد مقولة الوطن البديل وثالث يخشى الانقسامات الاردنية الفلسطينية، ورابع يتخوف من تصفية القضية الفلسطينية في ظل حالة الانهيار العربي وتعطل أضلاع مثلث صنع القرار والتاريخ العربي "العراق وسورية ومصر".
هناك عدة أخطار رئيسية تبرز من ثنايا ما تسرب حتى الان حول الافكار التي تتضمنها مبادرة جون كيري:
اولا: الاعتراف باسرائيل دولة يهودية، وهذا يعني اغلاق الباب كليًا امام حل الدولة ثنائية القومية، ومن دون وجود اي ضمان لنجاح حل الدولتين، وتجريد مليون ونصف المليون عربي فلسطيني من المواطنين داخل الخط الأخضر من حقهم في المواطنة في هذه الدولة اليهودية لانهم مسلمون ومسيحيون وليسوا يهودا، واعتبار اي شخص ينتقد اسرائيل بالمستقبل معاديا للسامية. ثانيا: اقرار مبدئي بتبادل الارض والسكان بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وهذا يعني ترحيل او طرد الفلسطينيين من مناطق محتلة عام 1948 او حتى داخل الضفة الغربية والقدس المحتلين نفسيهما الى الاردن بطبيعة الحال.
ثالثا: عدم تقسيم القدس وابقائها موحدة تحت عنوان "كونها عاصمة لدولتين" والنص على ان العاصمة الفلسطينية في القدس وليس القدس وهذا تفسير مطاطي، قد يعني شعفاط او ابو ديس او اية بقعة في محيط المدينة المقدسة. رابعا: وجود قوات من حلف الناتو على حدود اية دولة فلسطينية قد تنشأ، ومن المتوقع وجود قوات اسرائيلية ترابط في غور الاردن تحت علم الناتو، ستكون مهمة هذه القوات التحكم بالدخول الى ما يسمى الدولة الفلسطينية ومن دون اي اعتراض ممن يغادرها او يطرد منها.
خامسا: الغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين لان اسرائيل باتت لليهود فقط، وربما يكون هذا الحق غير متاح ايضا الا بشروط تعجيزية الى الضفة الغربية من دون القدس المحتلة، لان هذه المنطقة "هي يهودا والسامرة " اي جزء من ارض اسرائيل اليهودية.
سادسا: اتفاقية الاطار في حال اقرارها وقبولها ستكون المرجعية الاحدث للتسوية النهائية اي انها ستلغي كل ما يسبقها من مرجعيات مثل اتفاقات اوسلو وقرارات الامم المتحدة، مثل 242 و 338 ، وقرار التقسيم 181 وحق العودة 194 وغيرها.
ما يقلق الشعبين الاردني والفلسطيني ان هناك رهانا على وطنية نتنياهو اي ان يرفض هذه الاتفاقية ويعفي بذلك الرفض الجانبين الرسميين الفلسطيني والاردني من مسؤولية الرفض وتحمل ما يمكن ان يترتب عليه من تبعات، ولكن احتمالات قبول نتنياهو لاتفاق الاطار هذا غير مستبعدة لانه يحقق اكثر من تسعين من مئة من مطالب اسرائيل الامنية، والايديولوجية خاصة انه يعترف لاول مرة ببقاء ثمانين من مئة من المستوطنين في اراضي الضفة الغربية بعد الانسحاب منها مع احتفاظهم بهويتهم اليهوديـــــة، وهذا يعنــــــي استمرار وجود ما يقرب من 600 الف مستوطن في مستوطناتهم وتشريع هــــذا البقـــاء.
رفض اتفاق الاطار هذا مسؤولية وطنية ملحة، ويجب ان ياتي هذا الرفض واضحا وسريعا بغض النظر عن قبول نتنياهو او عدمه، بمعنى ان الرهان على الوطنية العربية لا على الوطنية الاسرائيلية، لان هذا الاتفاق هو تصفية للقضية الفلسطينية وثوابتها تحت عنوان انهاء الصراع واقامة دولة فلسطينية هلامية مشوهة ليس لها من صفات الدولة او السيادة اي شيء .
العرب ليسوا بحاجة الى اتفاقيات اطار تكون اساس المفاوضات في المستقبل، فهناك زحمة اطارات ومرجعيات، هناك قرارات الامم المتحدة، وهناك اتفاقات اوسلو، ومبادرة السلام العربية، وخريطة طريق اللجنة الرباعية. فمن يريد اطارات جديدة ؟ ثم من يضمن نجاح المفاوضات هذه المرة ؟ الم تكن الولايات المتحدة والعالم العربي الضامن لاتفاقيات اوسلو التي لم يطبق منها بند واحد منذ توقيعها قبل عشرين عاما !
يهودية دولة اسرائيل هي الخطوة الاكبر والأوضح للتوطين، وهذا ما يفسر الاصرار عليها، والالحاح على الاعتراف بها، واستغلال المصاعب والازمات المالية في الجانبين الاردني والفلسطيني ، ورشح ثقافة "التنبلة " والجمود وغياب الحراك السياسي الفعلي والانشغال بقضايا عربية عن القضية المركزية الام، ونعني بثقافة التنبلة ثقافة انتظار الراتب في آخر الشهر، الراتب القادم من الدول المانحة بزعامة امريكا التي بات القيد الذي يقيــــد ملايين الاردنيين والفلسطينيين، ويكمم افواهـهم امام اي خطر جديد لتصفية القضيــــة العربيـــــة الام.