العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة

في لقاء مع احد اساتذتي المتخصصين في العلوم الأقتصادية والمشهود لهم في الخبرة والكفاءة بحضور بعض زملاء المرحلة الجامعية ،تم التطرق الى اسباب التراجع الملحوظ في العديد من الجوانب الحياتية ، وكيف اصبحت القاعدة الأقتصادية التي اشار اليها غريتشام عام 1558 "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة" تنسحب على العديد من المظاهر والنواحي الأجتماعية و الحياتية ولم تعد تقتصر على العملة فقط .
مظاهر عديدة يمكن ذكرها للدلالة على ذلك ، فالانخفاض الملحوظ في مستوى التعليم في الأردن سواء التعليم العام او التعليم العالي، والتراجع في اداء العديد من المؤسسات ،وما شهدناه من محاولة دخول اطباء غير مؤهلين للقطاع الصحي من خلال اساءة استخدام الأمتحان المعد لتقييم الكفاءة ،كل ذلك يدلل على ان مفهوم غريتشام بدأ ينسحب على العديد من الجوانب الحياتية وكما ذكر استاذنا الفاضل انه لم يعد يقتصر على العملة فقط.
وعند التطرق الى نتائج امتحان الثانوية العامة و الأحصائيات التي تشير الى انخفاض معدلات النجاح هذا العام بالمقارنة بالسنوات السابقة والأنباء التي تتحدث عن ان هناك 13 مدرسة في الأغوار الوسطى و25مدرسة في البادية الشمالية الغربية لم ينجح فيها احد ، واجراءات وزارة التربية والتعليم التي كشفت عن الواقع الأليم الذي يعيشه قطاع التعليم في الأردن ،كل ذلك يدعونا للبحث بالأسباب الحقيقية وراء هذا الواقع ،فلا يجوز تحميل الطالب المسؤولية الكاملة وراء ذلك ،فكيف نلوم الطالب لأخفاقه في امتحان الثانوية اذا لم نعد له نظاما تعليميا فاعلا ؟ او معلما جيدا خلال المرحلة الدراسية التي سبقت المرحلة الثانوية ؟فعلى الرغم من من وجود عدد كبير من المعلمين المؤهلين والجيدين ،الا ان اداء بعض المعلمين الأخرين دون المستوى المطلوب ،ولابد من الأنتباه الى ان عدم اعادة النظر في معايير التعيين والتدريب و والتقييم والأعداد الجيد للمعلمين سيعمل على زيادة عدد المعلمين من اصحاب الاداء" الرديئ "على حساب المعلمين من اصحاب الأداء" الجيد".
وفي المقابل لا بد ايضا ان ينسحب ذلك على التعليم الجامعي، ولابد ان تتضمن استراتيجية التعليم العالي الجاري اقرارها و التي بحثت بالأمس خلال اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء مع رؤساء الجامعات ما يعمل على تطوير الية تعيين ورفع اداء الأستاذ الجامعي فالعنف الجامعي الذي شهدناه العام الماضي والتراجع العلمي للعديد من خريجي الجامعات لابد وان يكون احد اسبابه النظام الجامعي واداء بعض اساتذة التعليم الجامعي على الرغم من وجود اساتذة كثيرين يشهد لهم بالكفاءة ليس على المستوى المحلي فقط وانما على المستوى العربي والدولي.
ما يمكن قوله في هذا المجال الى ان عدم الوقوف بجدية وحزم بوجه هذه الظواهر وعدم مراعاة ان يكون التعيين والترقية سواء للمعلمين أو الأساتذة الجامعيين أو الأطباء أو الموظفين أو المسؤولين وفقا لمعيار الكفاءة وعدم مراعاة تدريبهم وتقييمهم بشكل علمي و مستمر ،سيجعل قاعدة غريتشام "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة "تعم كافة نواحي الحياة.