مهلا يا صاحب المعالي لقد أمكنتَ الرامي من سَوَاء الثُّغرة القسطل وأهلها لا تستحقّ منك الشتم

معالي الأستاذ طارق سليم المصاروة شخصيّة غنيّة عن التعريف , ولها احترامها ومكانتها في النفوس , ولذلك فإنّ ما يصدر منه فإنّه يستمد قيمته من مكانة الرجل , وأثره , وتأثيره ولا ينبغي أن يمر عليه مرورا عابرا لأنّه ليس شخصية عادية ولا نكرة , ولئن عتبنا عليه فإنّ العتب على قدر المحبّة أولا , والعتب على يعتب عليه من الفضلاء العقلاء ثانيا ؛ لأنّ غير أهل الفضل والعقل لا عتب عليهم حتى لو أساءوا .
أسجّل عتبي عليه فيما جاء في مقاله المنشور بصحيفة الرأي الغرّاء في عددها الصادر يوم السبت 22/2/2014م تحت عنوان ((الحياة تكبر وتتسع والمعاناة كذلك! )) والعتب يأتي من أمرين :
أولهما عدم الإلمام بقضايا المجتمع وخاصّة في مناطق الأرياف والبوادي والحواضر النائية وهذا أمر قد نقبله من صحفي عادي , ولكنّه غير مقبول من رجل مناضل له تاريخ في العمل السياسي والحزبي علاوة على تلك التجربة الثرية الغنية ذات الثمانية عقود من العمر الذي نسأل الله أن يمدّ به , ويرزق صاحبه الصحّة والسعادة والعافية .
حديثه عن التعليم وأسباب تراجعه وتدهوره يدلّ على أنّ معاليه غير متابع لهذا الشأن الذي كتب فيه الكثير طيلة العقود الماضية , وما جاء في مقاله لا يخلو من تناقض فهو يقبل ما ذكر من أسباب لتراجعه ثمّ يشير إلى وضع التعليم في السابق عندما كان التعليم يعاني من النقص في الإمكانيات ومع هذا كان ناجحا !! يقول معاليه في مقاله المومأ إليه في حديثه عن الوضع الكارثي للتعليم : ((وحين نسأل عن السبب نجد أن المدرسين الجيدين يحبون البقاء في عمان، وأن وزارة التربية بنت مدارس في كل مكان لكنها لم تهيئ لها المدرسين من أبناء المنطقة. لم تبن السكن الوظيفي أولاً. ولم تعمل بالتعاون مع وزارات الدولة على إنشاء حياة حقيقية حول هذه المدارس!!.)) انتهى ..... وأقول إنّ كلّ متابع لشؤون التعليم ومهتم بها يدرك أنّها _ أعني هذه الأسباب _ من المضللات عن الحقيقة , ويكفي أن نعلم أنّ التعليم في عمّان نفسها على ما في مدارسها من إمكانيات وكفاءات في تراجع ملموس , وكلّ الشكر لمعالي الوزير البطل الدكتور محمد الذنيبات الذي كشف المستور , وجعل الجميع يقف وجها لوجه أمام الحقيقة المرّة الكالحة التي تمّ التستّر عليها وإخفائها طيلة عقود من السنين .
ثمّ في حديثه عن المناطق التي كانت بلقعا في الستينيات ثمّ أصبحت عامرة بالمصانع والمزارع والجامعات فلعلّ معاليه لا يعلم عن الأوضاع الكارثية التي يعيشها الموطنون في تلك البقاع , فهو ربما لا يدرك أنّ الأراضي الزراعية الممتدة من جنوب عمان إلى الكرك _والتي لا يجهل معاليه هويّة أهلها ودورهم في بناء الأردن الحديث _قد تمّ بيع أكثر من 90% منها بأبخس الأثمان لأنّ الزراعة فيها تعرضت لحرب ممنهجة منذ أواسط السبعينيات , وربما لا يعلم معاليه بأنّ من قبض على جمر الأرض وتمسّك بها , وحفر بئرا ارتوازيا لإحيائها قد حورب حتى أعلن إفلاسه , ولعلّه لا يعلم بأنّ من تقع أراضيهم غرب سكّة الحديد قد منعوا من حفر آبار لإحيائها منذ أكثر من ربع قرن , ومن غامر وحفر بئرا بدون ترخيص ردم , وكان آخرها بئر حفره أحد أبناء قريتي في رمضان الماضي , وكلّفه ثلاثين ألف دينار ليحيي به مئات الدونمات الجرداء التي ورثها عن الآباء والأجداد , وبعد الانتهاء من الحفر , وظهور الماء جاءت الجهات المختصّة فردمته !!
ولعلّ معاليه لا يعلم أنّ هذه المصانع التي شاهدها لم يجن منها المواطنون إلاّ تلويث البيئة والأمراض التي لم يعرفها أسلافهم , ولم تساهم مساهمة تذكر في خدمة المجتمع المحلي الذي يعاني من الفقر والبطالة.
هذا بعض ما يتعلق في الأمر الأول وهو عدم معرفة معاناة الناس الحقيقية والتي لا تقبل من رجل بمستوى معاليه يفترض فيه أن يعرف كلّ صغيرة وكبيرة عن الأردن , فكيف عندما يتعلق الأمر بمنطقة تجاور عمّان وتشكّل حزامها , وكانت لقبل شهور تابعة لأمانة عمان !!
أمّا الأمر الثاني والذي يثير الاستغراب فهو حشره أهل القسطل في مقاله حشرا لا مسوّغ له حيث يتحدّث عن معاناة الأردن مع اللاجئين السوريين حيث يقول : ((نوفر لمخيمات لاجئي سوريا كل هذه المياه , ونستحضر مصانع تكرير ومجار لفضلاتهم , وفي مدننا أحياء لا يصلها ماء الشرب لأن رجال شجعان يسرقون مياه القسطل ويسقون زيتونا قميئاً ويبيعون الماء المسروق للعطاش ذاتهم.)) انتهى !!!.
وأذكّر بأنّ معاليه قد كتب مقالا قبل أكثر من خمسة عشر عاما عندما خصخصت مياه عمّان وبيعت إلى شركة "ليما " فتحدّث عن بطولات شركة ليما ومديرها المستر (ديفيد روبرتس ) والتي استطاعت حماية المياه من حملة الكلاشن كوف بحسب قوله !!, وقد رددت في حينها على ذلك المقال إلاّ أن صحافتنا لم تتسع صدورها لنشره !!
القسطل لمن لا يعلم هي إحدى قرى عشيرة الفايز التي يملكونها ويزرعونها _ كما يعلم معاليه_ قبل قيام الدولة الأردنية الحديثة , ولديهم سندات تسجيل من أيام الحكم العثماني , وأهلها كانوا من الشيوخ أصحاب البيوت المشرعة التي يؤمها الجياع من الشرق والغرب في زمن الجوع في عقود ما قبل طفرة النفط , وهم أحفاد الشيخ سطام بن فندي الفايز الذي لا يجهله معالي الوزير , ولا يجهل العلاقة الطيبة التي كانت تربطه بعشائر مأدبا , ومن مشاهيرهم خالد بن فواز السطام الفايز ومحمد بن فايز السطام الفايز , وهما من الأعلام المعروفة بسخائها ومواقفها القومية البطولية المشرقة المشرفّة , والقسطل كانت ميدان غزوتي الوهابيين المشهورة , ولا يزال أهلها أعلاما كراما يُفزع إليهم في الملمات والمهمات , ومن أعلامهم الأحياء الذين أفنوا زهرة أعمارهم في خدمة الدولة الأردنية اللواء حميدي محمد الفايز , وبغضّ النظر عن هذا الحاضر المشرّف وذلك التاريخ الحافل فأهل القسطل بصفتهم مواطنين أردنيين حفروا آبارا ارتوازية بترخيص من الجهات الرسمية ذات الاختصاص أسوة بغيرهم ممن سمح لهم بحفر الآبار , فهم يسقون زيتونهم الذي وصفه معاليه (بالقميء ) , ويبيعون للمصانع من هذه الآبار !! فهل حرّم الدوح على بلابله وأحلّ للطير من كلّ جنس !! بل هل حرّم العرين على أسوده وأبيح للبغاث ؟؟ ثمّ ألا يعلم معاليه أنّ هذا الزيتون القميء يدخل زيته كثيرا من بيوت الفقراء والمحتاجين عطاء لا يرجى منه جزاء ولا شكورا لأنّ القوم أصحاب بيوت مشرعة لم تغلق أبوابها في وجوه الناس قط , ويتوارثون ذلك التقليد كابرا عن كابر .
ودعك من هذا ودعنا نتحاسب فالمحاسبة لا تفسد الودّ والصداقة , فقد أجمعت الدراسات والإحصائيات المتوفّرة والمنشورة على أنّ نصيب الفرد من المياه في الأردن يقدر بحوالي 145 م3سنويا , ومعدل عدد أفراد الأسرة في الأردن بحدود خمسة أفراد , وفي البوادي والأرياف لا تقل عن سبعة أفراد , ومع هذا سنعتبرها خمسة أفراد , فنحيط معاليه علما بأنّ مخصصات الأسرة في البادية الوسطى (لواء الجيزة ) يترواح ما بين 4_ 6 م3 أسبوعيا , ولو حسبانها بأعلى القيم فإنّها = 24م3 في الشهر أي ما يساوي 288م3 سنويا , فإذا قسمنا هذا الرقم على عدد أفراد الأسرة الخمسة فإن نصيب الفرد الواحد = 57م3 تقريبا أيّ أنّه يحصل على 39% من مخصصاته , فأين تذهب ال 61% ؟؟؟؟ والتي تساوي 88م3 ؟؟؟ نأمل من معاليه بصفته مسموع الكلمة أن ينصفنا لنحصل على كافّة مخصصاتنا من المياه !! ونحيط معاليه علما بأنّ المياه التي تصل هذه المناطق المعمورة شكليا هي مياه غير صالحة للاستهلاك البشري وربما الحيواني , وله أن يكلف الجهات المختصّة بفحصها وإعلان النتائج , ونذكّر معاليه بأنّ مياه الديسة النقيّة تمر من وسط قرانا من منبعها وحتى أن تصل عمان ولا تصل لنا منها قطرة واحدة , فنحن لا نزال نشرب من آبار مضى على فتحها عشرات السنين !!
وختاما نؤكد إلى معاليه بأنّ القسطل وأهلها ما كانت في يوم من الأيام عبئا على الوطن ولا مشكلة من مشكلاته , فالقسطل تاريخ مشرّف وحاضر مشرق , وما أثرى أهلها من السمسرة على الوطن ونهب مقدراته , فهم يعيشون من أملاكهم التي ورثوها عن الآباء والأجداد , والتي حموها هم وقومي بنو صخر بحدّ السيف في زمن كانت فيه بنو صخر تمثّل سورا للبلقاء على حد تعبير رضا كحالة في كتابه معجم القبائل العربية ...... ومعاليه أول من يعرف أنّ الفايز وسائر شيوخ بني صخر مع ما لهم من مكانة في الدولة , وما قدموه من خدمات وتضحيات للأردن بضفتيه فليس من بينهم من أثرى من الفساد .
السبت 22/2/2014م
فلاح أديهم المَسلَم .
الزميلة – لواء الجيزة .