­عودة اللغة الخشبية للخطاب الأميركي بعد جنيف 2

في رده على تقرير الأخضر الإبراهيمي الوسيط الدولي في مفاوضات جنيف 2 بين الحكومة والمعارضة السورية وتصريحات الإدارة الأميركية وبعض المسؤولين في الدول الغربية وخاصة بريطانيا وفرنسا اتهم السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي الإبراهيمي بالانحياز وتحميل الحكومة السورية مسؤولية إخفاق المؤتمر حتى الآن، كما وجه انتقادات لاذعة لتصريحات المسؤولين الغربيين وتهديداتهم لسورية، كما حول عمليات الإرهاب التي تجري فيها ومحاولة هؤلاء القفز عن ذلك رغم معرفتهم بأن ما يجري هو صراع ضد الإرهاب، وأن أي مؤتمر أو حوار يقفز عن هذه الحقيقة لن يكتب له النجاح.
في ترتيب الأولويات بجدول أعمال مؤتمر جنيف 2 بجولته الثانية حاول الوفد الحكومي السوري أن يثبت جدول الأعمال حسب النقاط الواردة في بيان جنيف 1 الذي يضع مكافحة الإرهاب في الترتيب الأول ويضع عنوان الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات في البند الثامن غير أن وفد الائتلاف بتحريض من قادته الفعليين كروبرت فورد والطاقم المكلف المتابعة من واشنطن رفض هذا وأصر على بند الهيئة كاملة الصلاحية كأولوية مطلقة الأمر الذي رفضه الوفد الرسمي بلا تردد. اللافت أن الإبراهيمي في مقاربة غريبة له أمام الصحافة قال إن موضوع الهيئة الانتقالية هو لب المسألة التي نعالجها والإرهاب ووقف العنف يصبح نتيجة وبالتالي يمكن أن يجري تناول البندين في توقيت متزامن، وفي هذا قلب للحقيقة وتزوير للتفسير الصحيح لتتابع البنود وترتيبها كما وردت في جنيف 1 وليس من المنطقي أن تتفق مع معارضة مسلحة (أو تزعم أنها تقود الجماعات المسلحة) على شراكة في الحكم والانتقال لمرحلة سياسية جديدة دون أن تكون قد انتهيت من معالجة الإرهاب وعمليات القتل التي تجري فوق الأرض السورية، أو على الأقل تكون قد اتفقت معها على أسلوب وطريقة معالجة هذا الجانب الخطر بشكل واضح وأجندة معلومة.
الجديد في قصة جنيف 2 بعد إخفاق الجولة الثانية منها أو ما اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية فشلاً لفريقها العودة لاستخدام لغة التهديد والوعيد، وسمعنا باراك أوباما يتحدث مرة أخرى عن الخيارات المفتوحة بما فيها الخيار العسكري. رافق هذه التصريحات أصوات وصيحات حرب انطلقت من فرنسا وبريطانيا وكأن طبول الحرب يمكن أن تحل المشكلة أو تساعد على حلها. بل لقد سمعنا كلاماً خشبياً يتناول المعضلة وكأنها في بدايتها بالحديث عن رحيل الرئيس الأسد وانتهاء دوره، كما المديح للمعارضة وكأننا في عراضة قصد منها التهويل والتخويف بطريقة لا تختلف كثيراً عن طرق البلاطجة والمجرمين.
التحركات التي قامت بها أميركا وحلفاؤها في المنطقة توحي بأنهم يستعدون لعدوان مبيت على دمشق وخاصة بعد ارتفاع وتيرة التهديدات والاتهامات حول ملف الأسلحة الكيمياوية التي تقوم سورية بعرقلة تنفيذ ما اتفق عليه حوله على حد زعمهم، وسمعنا كلاماً لا لبس فيه حول ذلك مما استدعى رداً روسياً وتنشيط عمليات نقل السلاح الكيمياوي فانتفت الذريعة، فما كان من معسكر الأعداء للشعب السوري إلا أن نقل القضية باتجاه الجانب الإنساني متهماً حكومة سورية وقيادتها بتعطيل وصول المساعدات ثم السعي لاستصدار قرار دولي تحت البند السابع لإرغام سورية على تنفيذ مطالب الغرب على هذا الصعيد الأمر الذي يشرعن لاحقاً التدخل العسكري، وهذا ما شرحه الروس ورفضوه فور الإعلان عنه وهددوا باستخدام الفيتو ضده إن تم تقديمه لمجلس الأمن وكذلك فعلت الصين، بل وجدنا الروس يتقدمون بمشروع مضاد يتعلق بالإرهاب ويقود في السياق لإيصال المساعدات الإنسانية.
إن المعركة الدبلوماسية التي تخوضها سورية اليوم بدعم كبير ومبدئي من روسيا والصين ودول البريكس وغيرها سوف تنتهي بانتصار الإرادة السورية وخاصة في ظل لغة متشنجة وباتت مملة تستخدمها أميركا وحلفاؤها في المنطقة والعالم من أجل تغيير المعادلة وتحقيق الهدف المركزي لهؤلاء بتقسيم سورية وإخراجها من ملف الصراع العربي الصهيوني.
إن زيادة المعونات العسكرية والمالية للجماعات الإرهابية كداعش والنصرة ولمن يتبع للمعارضة كالجيش الحر وبعض جيش الإسلام، وتصريحات الإبراهيمي المنحازة ضد القيادة والحكومة السورية الهدف منها زيادة الضغط على القيادة السورية لتقديم تنازلات نوعية في جنيف 2 بجولته القادمة، ورغم هذا رأينا تراجعاً لدى بعض حلفاء هذه المعارضة سواء تركيا أو مملكة آل سعود، فالأولى قامت بتدوير الزوايا تجاه بعض النقاط وخاصة مع إيران، وكانت زيارة أردوغان لطهران وتصريحاته هناك علامتها الفارقة. أما الثانية فقامت بتخفيف لهجتها العدائية تجاه ما يجري في سورية وما تقوم به عصابات القتل والإجرام فيها وعلامتها الفارقة قانون ملاحقة المتطرفين والإرهابيين الذي أصدره الملك عبد اللـه آل سعود. التغير في الموقف التركي والسعودي وإن كان ثمرة الصمود السوري إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه في رؤية ما يجب القيام به على الصعيدين العسكري والسياسي. إن محاولات واشنطن إبقاء التوازن العسكري بين طرفي الصراع بسورية إلى ما شاء اللـه وتدمير كل قدرات القطر العربي السوري فشلت وتقوم القوات السورية هذه الأيام بإنهاء ظاهرة يبرود والمفخخات التي تنطلق منها ومن عرسال في الجانب اللبناني من الحدود وهذا يعني اختلالاً جديداً في ميزان القوة لمصلحة الحكومة السورية يضاف لما سبق في ريف حمص والقصير وريف دمشق. التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة أخرجت أميركا عن طورها فبتنا نسمع تعابير ومصطلحات أكل الزمان عليها وشرب ولم تعد تحظى باهتمام أحد وهي لن تغير في مسار يتجه نحو انتصار نرجوه قريباً لسورية.