ماذا تفعل الهيئة المستقلة للانتخاب؟
آخر أخبار الهيئة المستقلة للانتخاب نتذكرها في الانتخابات النيابية التكميلية، وفي استقالة رئيسها المؤسس منذ عام. فمنذ ذلك الوقت، لا أخبار جديدة، كما لم يتم تعيين رئيس دائم للهيئة. الأمر الذي يطرح أسئلة استفهامية؛ هل دور الهيئة ينحصر فقط في الإشراف على الانتخابات النيابية كل أربع سنوات، ثم تجلس في انتظار الانتخابات المقبلة؟ هل ثمة قرار غير معلن يفضي إلى تجميد الهيئة؟
ينص قانون الهيئة أن عليها "اتخاذ الإجراءات اللازمة لتمكينها من إدارة وتنفيذ انتخابات نزيهة، حيادية وشفافة، تستند على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون". وهنا يتبادر إلى الذهن: هل هذه الإجراءات تتم بين ليلة وضحاها؟ ألا نحتاج إلى التعلم من عشرات الدروس التي تمثلت على شكل تحديات واجهت الهيئة في تجربتها الأولى، ومنها تحديات تشريعية فيها تنازع مع تشريعات أخرى، وتحديات في إدارة العملية الانتخابية، وفي التدريب والتأهيل لتنفيذ العملية الانتخابية، وأيضا في التثقيف الانتخابي الذي يحتاج إلى كلام طويل عريض؟
فكرة الهيئة المستقلة ليست نزوة ولا ترفا وطنيا، بل هي إطار مؤسسي يتطلب إظهار دورها الاجتماعي والسياسي بصورة بارزة في تعميق الديمقراطية. والفرق الذي أحدثته في الانتخابات السابقة جوهري. لكن تلك هي الخطوة الأولى من عشرات الخطوات المنتظرة، والدور الفعلي للهيئة يبدأ بعد الانتخابات.
نضجت فكرة وجود هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات في حوارات لجنة الحوار الوطني في النصف الأول من العام 2011، باعتبار ذلك شرطا أساسيا لنزاهة الانتخابات. وأصبح لوجود الهيئة أساس دستوري بموجب التعديلات الدستورية. لكن هذا الإنجاز الإصلاحي المهم كما أنه لم يُرضِ بعض دعاة الإصلاح -الذين بقوا يراهنون على أنه لا إصلاح من دون قانون انتخاب ينهي الصوت الواحد، فلم يعولوا كثيرا على إنشاء الهيئة- فإنه (هذا الإنجاز الإصلاحي) لم يلاقِ تضامنا حقيقيا من داخل بعض دوائر البيروقراطية الرسمية التي وجدت نفسها لأول مرة بعيدة بشكل مباشر عن السيطرة والتحكم في تكوين وتلوين المؤسسة التشريعية.
من جهة ثانية، هناك مسؤولية على المجتمع السياسي. فتجربة الهيئة المستقلة تستحق الدراسة والمراجعة الهادئة والموضوعية، بعيدا عن الانطباعات الذاتية للنخبة السياسية التي شاركت في التحولات التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية؛ أين أصابت الهيئة؟ وما الذي أضافته للتجربة الانتخابية؟ وأين مواقع الخلل؟ وهل أُضعفت الهيئة بالفعل؟. هذه المراجعة لم تحدث.
رغم النجاح الذي حققته الهيئة في مفاصل عديدة، بقيت التحديات التي واجهتها من دون إجابات. إذ لم توفر التشريعات التي أدارت التجربة الأولى ضمانات واضحة وجادة لدرء خطر المال السياسي في العملية الانتخابية، ولم يكن هناك تعريف قانوني واضح لملاحقته والحد من انتشاره. هذا هو التحدي الحقيقي والمفصلي الذي واجه أداء الهيئة المستقلة خلال أيام الحملة الانتخابية. ومنذ ذلك الوقت، لم نطور نقاشات جادة حول هذه الملفات. أما التحدي الإجرائي الحقيقي الذي واجه الهيئة يوم الاقتراع وفي عملية إعلان النتائج، فقد أوصل إلى قناعة بأنه رغم التدريب المكثف لعشرات الآلاف من الموظفين، ومعظمهم من وزارة التربية والتعليم، فإن هؤلاء لم يصمدوا، في معظم الأحيان، أمام قوة تأثير دولة الانتخابات العميقة والعتيقة، الأمر الذي لوحظ في التجاوزات التي حدثت في بعض المناطق، كما في الفوضى التي سادت إعلان نتائج بعض الدوائر.
مع هذا كله، ما يزال السؤال المقلق: هل كانت الهيئة مستقلة بالفعل؟ ولماذا تغيب الهيئة كل هذا الغياب عن المجال السياسي الوطني؟.