«شو رأيك نفتح كلية طب؟!»

منذ عامين تقريباً يتكرر في صحفنا التصريح التالي «...صرح رئيس جامعة ..... بأن مجلس الأمناء قد نسب لمجلس التعليم العالي بانشاء كلية طب لطب اسنان وذلك لوجود البنية التحتية المتمثلة بمختبرات كلية العلوم وسيتم قبول الطلبة في أيلول المقبل...» وهذا تصريح يثير الدهشة والاستغراب والمرارة للأسباب التالية:
أولا: لقد ولى عصر انشاء كليات الطب تحديداً على أنقاض مختبرات كلية العلوم فالخطط الحديثة استبدلت مواد السنة الأولى التقليدية بمواد أقرب للتخصص مما يدخل الطالب في أجواء تخصص الطب بشكل مبكر ويزيد من فرص التدريب قبل التخرج, مع العلم ان هذه المختبرات تكون اكثر المختبرات اكتظاظاً بالطلبة في اي جامعة.
ثانيا: ان المشكلة الأهم التي تعترض انشاء كلية طب اوطب اسنان هو عدم توفر أعضاء هيئة تدريس كفؤين حاصلين على شهادات عليا من جامعات عالمية بعد تدريب مبرمج ومتدرج وهذه معضلة كبرى تواجه الجامعات القائمة فما رايك في الحديثة. مع التنويه الى ان النقص في اعصاء الهيئة التدريسية في الأردن تجاوز حاجز الخمسة الاف في مختلف التخصصات وأكثرها التخصصات الطبية. إلا اذا كانت النية الاعتماد على أعضاء الهيئة التدريسية من الكليات الطبية القائمة أو المستشفيات وكلاهما مثقل بالعبء التدريسي الكبير والحالات السريرية الكثيرة.
ثالثا: ان البنية التحتية التي نتحدث عنها هي مختبرات المحاكاة التشبيهية والتي أصبحت ضرورة وليس ترفاً مع العلم ان كلفة الواحد منها ثلاثمائة ألف دينار أردني ثم مستشفى جامعي اذ ان توفر مستشفيات قرب موقع الجامعة ليس حلاً فتدريب الطلبة بشكل رئيس في مستشفى الجامعة وتحت اشراف أعضاء الهيئة التدريسية المؤهلين يضمن حماية الطلبة من تدريب اقل كفاءة واخطاء الممارسة. فالعاملين في المستشفيات الأخرى ليسوا على سوية واحدة فبينهم الطبيب الممتاز والطبيب الضعيف والسيطرة عليهم قضية صعبة التطبيق.
رابعا: مختبرات وعيادات وقاعات كليات الطب في الأردن مكتظة بالطلبة حتى تخال نفسك في مباراة كرة قدم اذ باتت كليات الطب تخرج انصاف أطباء، فلنحافظ على هذا النصف قبل ان يتحول للربع او يتلاشى تماماً. ان عدد خريجي كليات الطب في الأردن تجاوز حتى تاريخه حاجز الستة الاف طبيب. وتحتل الأردن المرتبة الأولى على مستوى العالم في عدد الصيادلة العاملين لكل مئة ألف مواطن والمرتبة الثانية في طب الاسنان. رغم معرفتي وتجربتي الخاصة بالمبالغ التي تدرها مختلف التخصصات الطبية والطبية المساندة الا ان ذلك لا يبرر التسرع والفوضى التي نشهدها. فلا ضير في انشاء أي برنامج طبي في حال التخطيط والاعداد السليم وتوفير ما يلزم من المصادر البشرية أولاً وقبل كل شيء وليس من خلال مجرد طرح فكرة كما جاء في العنوان. مع العلم ان المال لا يتعارض مع ضمان الجودة ابداَ اذ يقول بروفسور اليستير الكوك نائب رئيس جامعة باكنجهام البريطانية الخاصة ان عدد الطلبة في الصف الواحد لا يتجاوز العشرين طالباً مما يضمن نسبة طالب لمدرس صحيحة تعزز جودة التعليم التي لن تتأثر برغبة الجامعة في الحصول على موارد مالية وتضمن استمرار تدفق الطلبة والمال على الجامعة مستقبلاً.
خامساً: هل توقفت افكار الجامعات الابداعية لزيادة مدخولها المالي عند استنساخ افكار الاخرين التقليدية بانشاء كليات طب! الا يمكن لصناديق الاستثمار المجمدة الاستثمار فعلاً في الجامعات الخاصة الناجحة؟!! مجرد سؤال.
لست ضد انشاء كليات جديدة للطب وطب الاسنان بهدف التخفيف على الكليات الموجودة لا ان تقبل اعداداً اضافية بمستويات اقل, وعليه أتمنى على وزير التعليم العالي ومجلس التعليم العالي والذي يضم من بين أعضائه أربعة أطباء ما يلي:
1. ان يتقدم كل من يرغب بانشاء كلية طب او طب اسنان بمقترح تتم دراسته ومفاضلته وفق المعايير التي وضعتها الوزارة سابقاً وتطبيقها بصرامة واقترح الاصرار على توفير ما لا يقل عن عشرة مدرسين في التخصصات الطبية الأساسية في العام الأول لقبول الطلبة وهؤلاء عملة نادرة بحد ذاتها وعشرة اخرين في مختلف التخصصات السريرية وذلك قبل دخول الطلبة السنة الثانية. خاصة ونحن نشهد ان معايير الاعتماد لم تكن مانعاً لتجاوز الطاقة الاستيعابية في كلية طب أنشئت حديثاً. وان يتم الايفاد فعلياً لمجموعة متميزة في مختلف التخصصات وضمن خطة زمنية محددة ترتبط بموعد البدء بقبول الطلبة. ناهيك عن تعيين اخصائيين وأكاديميين متميزين.
2. انشاء مختبر المحاكاة التشبيهي كشرط للبدء بقبول الطلبة وتعيين مشرفين مؤهلين لهذه الغاية.
3. انشاء مستشفى جامعي بسعة 100-200 سرير بكافة ملحقاته وتعيين كادر مؤهل له.
4. يجب ان تكون هناك فترة 3-5 سنوات بين اصدار مجلس التعليم العالي الموافقة المبدئية وبين البدء بقبول الطلبة يضمن خلالها المجلس ان الكلية المعنية حققت المطلوب.
5. تطبيق معايير هيئة الاعتماد بدقة على كليات الطب الحكومية الجديدة اسوة بالخاصة.
اعلم ان هذه النقاط حاضرة في مجلس التعليم العالي لكنها لم تطبق بشكل حازم عندما بدأ قبول الطلبة في احدى كليات الطب مؤخراً.
زرت عدة جامعات أمريكية وبريطانية للاطلاع على المختبرات التشبيهية وفي جامعة فلوريدا التقيت بالدكتور اكونا الكولومبي الاصل الذي اخبرني ان السلطات الامريكية أوقفت السماح بانشاء كليات طب لمدة 25 عاماً حتى تقدم هو بخطة جديدة مبنية على طب المجتمع فهل نشهد خططاً ورؤى وافاقاً جديدة للقائمين على انشاء التخصصات الطبية. فللعلوم الطبية رسالة سامية والمردود الإيجابي والسلبي سينال الجميع ويبدأ بصاحب الفكرة الذي قد يضطر يوماً للعلاج على ايدي خريجيه.
* ممثل منظمة QSالعالمية لتصنيف الجامعات