نحذر من خطوة حمقاء

لا شك أن كل العوامل والأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورتي تونس ومصر موجودة إلى حد التطابق في كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج حتى في سلطة أوسلو تحت الاحتلال، وهذا يعني أن النار موجودة تحت الرماد، وشرارة واحدة وقرارا أهوج وأحمق يمكن أن يؤدي إلى اشتعال النار التي لن يستطيع أحد أن يخمدها، هذه النار التي لن تأتي إلا على الأنظمة والفاسدين من حولها، وهو ما شاهدناه في تونس ومصر.

 

نظام بن علي حاول إخماد الثورة بقوة الحديد والنار، ونشر قناصيه لقتل أولئك المطالبين بحريتهم، لكن الثورة الشعبية انتصرت، وسقط بن علي، وانتشرت فضائحه على الملأ، وسقط كل مناصريه والفاسدين من حوله.

 

نظام مبارك حاول التهدئة قليلا، ثم أرسل بلطجيته على الجمال والبغال لينالوا من ثورة الشباب، الأمر الذي زاد الثورة اشتعالا وإصرارا، وهو ما أدى إلى سقوط نظام مبارك العتيد، وسقط معه بلطجيته وأعوانه والفاسدون من حوله.

 

في البلاد التي تشتعل فيها الاحتجاجات الآن، يتصرف كل نظام حاكم حسب ما يراه لإخماد الاحتجاجات وهدفه الوحيد هو البقاء في السلطة حتى لو دمر البلد.

 

في أردننا العزيز لسنا بعيدين عما يجري في الدول العربية الأخرى، لكن الحكمة والظرف اقتضى أن يحتوي النظام كل المظاهرات المطالبة بالإصلاح الشامل، لدرجة أن يوزع رجال الأمن الماء والعصير على المتظاهرين في مشهد غير مألوف في العالم كله، كما اقتضت الحكمة والظروف إقالة حكومة لم يكن لها أي دور يذكر فيما آلت إليه الأوضاع في البلد، وتشكيل حكومة جديدة وفق معطيات وقراءة لم تسر الكثيرين، لكنها حكومة بدأت بالحديث عن الإصلاح، وهي عازمة على ذلك كما تقول.

 

بالأمس بدا لنا المشهد كأن القوم ضاقوا ذرعا بالتظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح، وبدا لي أن قرارا اتخذ لوقف هذا "المهزلة" التي لم تعتد عليها الأجهزة الأمنية، (أرجو أن يكون توقعي خاطئا).

 

بالأمس اعتدى العشرات ممن انطلقوا بمسيرة مؤيدة للملك والعائلة الهاشمية، اعتدوا بالعصي والحجارة على عشرات من مؤيدي المعارضة الذين رفعوا شعارات تطالب بالإصلاح، وحل مجلس النواب، وتهاجم حكومة الدكتور معروف البخيت.

 

المعتدون رفعوا لافتتين كتب على إحداها (الكركية وكل الاردنية تفخر بالهاشمية) وهي محاولة لزج أهل الكرك في المعمعة لأمر ما! ففي الوقت الذي كان رافعو تلك اللافتة ينهالون بالضرب والشتائم البذيئة على متظاهري المعارضة، كان المئات من أهالي الكرك يعتصمون أمام المسجد الكبير في الكرك مطالبين بالإصلاح الشامل.

 

يا أصحاب القرار، لقد تغير العالم فانتبهوا، هذه المسرحيات لم تعد تنطلي على أحد، والأخطر أن هذه المسرحيات ثبت أنها تعطي نتائج عكسية تماما. ألم نعتبر من غزوة الجمال والبغال التي قادها المندسون ممن يسمون بلطجية في مصر، هل نريد أن نؤلب الشعب على بعضه فيخسر الشعب وتخسر البلد.

 

كان يمكن للمسيرة الموالية للدولة والمطالبة باستتباب الأمن أن تخرج بكل حرية، وأن تهتف بكل الشعارات التي تريدها، وقد ينضم إليها قطاعات من الناس، لكن أحدا ما كان يصر على أن يهاجم أولئك المؤيدون للملك والعائلة الهاشمية متظاهري المعارضة، وقد تم هذا وفق شهود عيان أمام الشرطة التي لم تتدخل إلا بعد أن وقع ما وقع.

 

لقد بدا لوسائل الإعلام العربية والعالمية أن المؤيدين الذين يرفعون صور الملك قد هاجموا تظاهرة مناهضة للملك، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق.

 

على حكومة الإصلاح أن توقف هذه المهزلة فورا، وأن تشكل لجنة تحقيق وأن تستمع للجميع، وأن تكشف لنا من وراء تشويه سمعة الأردن، ومن وراء تشويه صورة عشائر الأردن التي أقحمت في المسألة، ومن هذا الغبي الذي يريد إظهار الأردنيين كأنهم معارضون للملك.

 

نحذر من خطوة حمقاء، ونحذر من حمقى قد يسبب تدخلهم الفج ما لا يحمد عقباه. وقديما قالوا: عدو عاقل خير من صديق جاهل.