عندما يأكل التضخم الفوائد!

عندما يكون التضخم في حدود 5% في حين يدفع البنك المركزي 2% على ودائع البنوك لديه فإنه في الواقع يكون قد فرض على البنوك ضريبة بحدود 3% من السيولة الفائضة المودعة في البنك المركزي.

 

لكن البنوك بدورها تتعامل مع مودعيها بنفس الطريقة ، فهي تدفع للمودعين 5ر3% على الأكثر في ظل تضخم يتراوح بين 5 إلى 6% ، مما يعني أنها في الواقع تجبي من المودعين بين 5ر1 إلى 5ر2% سنوياً ، لأنها لا تعيد للمودعين رأسمالهم كاملاً بمقياس القوة الشرائية في نهاية المدة.

 

بعبارة أخرى فإننا إزاء ظاهرة يمكن أن تسمى رباً معكوساً ، عندما لا يعيد المقترض للدائن رأسماله كاملاً بمقياس القوة الشرائية ، بل منقوصاً بقدر الفرق بين سعر الفائدة ومعدل التضخم.

 

كان الربى مفهوماً ومرفوضاً عندما كان الناس يتعاملون بسلع حقيقيـة تحافظ على قيمتها عبر الزمن ، كالذهب والفضة والماشية وما إلى ذلك ، أما في حالة العملة الورقية فالوضع بحاجة لفهم آخر.

 

هذا الوضع شاذ ، ولا يمكن أن يستمر فلا بد أن ينخفض معدل التضخم أو يرتفع سعر الفائدة. انخفاض التضخم هل الحل المرغوب فيه ولكنه صعب المنال ، أما رفع سعر الفائدة فهو الحل غير المرغوب فيه بالرغم من سهولة تحقيقه بقرارات إدارية ، لأنه يلحق الضرر بحركة الاستثمار والنمو.

 

هذا الواقع يتناقض تماماً مع ما هو حاصل في بعض البلدان المتقدمة ، أميركا وأوروبا مثلاً ، حيث يقل سعر الفائدة التي يفرضها البنك المركزي عن معدل التضخم ، أي أن البنوك المركزية توزع المال على البنوك مجاناً.

 

لكن البنوك الأميركية لا تعامل المقترضين منها بنفس الطريقة ، فهي تفرض عليهم فوائد عالية مع أن مصدر أموالها من البنك المركزي لا يكلفها شيئاً يذكر. والحجة الجاهزة أنها تستوفي بدل المخاطرة في حالة فشل أو إفلاس بعض المقترضين ، كما يحدث في الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

 

أسعار الفائدة التي تفرضها البنوك على المقترضين لا يقصد بها أن تغطي كلفة المال بشكل فوائد مدفوعة فقط ، بل أيضاً التكاليف الإدارية ، والضرائب المدفوعة ، ومخاطر الديون المعدومة ، والأرباح التي يتوقعها المساهم.

 

في ظل تعدد البنوك والمنافسـة فيما بينها على المودع والمقترض الجيد فإن عوامل السـوق تحدد سعر الفائدة الذي يضمن التوازن بين العرض والطلب