الشعب يريد إنهاء الانقسام
كل الشعوب العربية في حالة نشوة بعد نجاح الثورة المصرية، وربما يكون الشعب الفلسطيني، المنقسم بين الضفة وغزة، من أكثر الشعوب العربية فرحاً بهذه الثورة، على عكس قيادته في رام الله التي تعيش ارتباكاً واضحاً، ظهر في قراراتها الأخيرة.
فبعد التطور المصري الكبير، وقبله التونسي، أخذت العواصم العربية تعيد تنظيم صفوفها، والفلسطينيون كانوا الأوضح في ذلك. ونظرة بسيطة إلى ردود الفعل الشعبية الفلسطينية على الحدث المصري، تظهر لمن يرغب بأن يقرأ جيداً حقيقة موقف الشارع الفلسطيني. ففي الوقت الذي كانت فيه الهتافات في القاهرة تصرخ أن "الشعب يريد تغيير النظام"، فإن الهتافات في شوارع رام الله وشوارع غزة كانت وما تزال تصرخ أن "الشعب يريد إنهاء الانقسام".
ومع بزوغ فجر يوم الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي، بدأت رياح مصرية ذات مذاق مختلف تهبّ على الحالة الفلسطينية، حيث استبد القلق بالفريق الفلسطيني المفاوض في رام الله، والذي نظر إلى ما يحدث في القاهرة من متغيرات نظرة خوف ووجل.
مصر بالنسبة للمفاوض الفلسطيني المحطة العربية الرئيسة، وهي الراعية والناظمة للعملية التفاوضية، وكثيراً ما كانت البوابة الفلسطينية إلى تل أبيب وواشنطن والاتحاد الأوروبي وعدد غير قليل من العواصم العربية.
وقد شهدت القاهرة توقيع اتفاقات فلسطينية-إسرائيلية، وشرم الشيخ شهدت هي الأخرى عشرات اللقاءات والاجتماعات والقمم العربية والدولية، وكانت ذات صلة بالموضوع الفلسطيني. كما أن طابا كانت مسرحاً للمفاوضات. والمعروف أن من يستضيف المفاوضات أو الاجتماعات ذات الصلة معنيّ بشكل مباشر بالموضوع التفاوضي؛ أي القضية الفلسطينية، وفريقها المفاوض.
المفاوض الفلسطيني أدرك مع انهيار نظام حسني مبارك أن المنطقة العربية، والصراع مع إسرائيل، دخلا مرحلة جديدة، وأن العملية التفاوضية انهارت هي الأخرى مع الانهيار الذي شهدته القاهرة. وانهيار نظام مبارك هو في حد ذاته حدث له تداعياته الكبرى على مجمل العلاقات العربية (والفلسطينية)-الإسرائيلية، الأمر الذي يعني أن الصيغة التفاوضية الراهنة لفظت أنفاسها.
وجاءت استقالة صائب عريقات من رئاسة دائرة شؤون المفاوضات لتؤكد أن أي مفاوضات سوف تستأنف لاحقاً في غياب القاهرة تؤدي إلى "انتحار سياسي" لمن سيفاوض نيابة عن الفلسطينيين. وأدرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس ظروف المرحلة، فوافق على استقالة عريقات، وزاد عليها قراره بحلّ وحدة دعم المفاوضات. وبالتالي، فإن رحيل عريقات لا يفسر على أنه رحيل لرجل أو لعضو في اللجنة التنفيذية، بل هو رحيل وانقضاء أجل مرحلة سياسية، بات على الذين صنعوها أن يرحلوا هم أيضاً. وما رحيل عريقات إلا مقدمة لعمليات رحيل أخرى مرشحة لأن تشهدها الساحة الفلسطينية.
الاستفادة من التجربة المصرية، والبدء بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني في كل من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وتجديد هياكل هذا النظام ومؤسساته ليأتي منسجماً مع متطلبات بناء نظام ديمقراطي عصري يحترم التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير والاختيار الحر لممثليه بانتخابات حرة ونزيهة على أساس التمثيل النسبي الكامل للمجلسين الوطني والتشريعي وانتخابات رئاسية حرة ونزيهة، كل ذلك ينهي حالة الانقسام المدمر الذي لا يستفيد منه غير العدو الإسرائيلي.
الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الانقسام، وقد يصبر على هذا الانقسام فترة إضافية، لكن الشعب الذي زلزل إخوانه أركان الحكم في تونس، والشعب الذي دمّر أشقاؤه أركان النظام في مصر، قادر -فلسطينياً- على أن يبيد أركان من يحاول وضع العراقيل والصعوبات في طريق الحوار إذا ظنّ أنه قادر على تحويل الانقسام إلى حالة دائمة.
وبالنتيجة، فإن على حماس أن تلتقط دعوة فتح إلى الشروع بحوار وطني فلسطيني من أجل إعلان إنهاء الانقسام الداخلي والاتفاق على التوجه لانتخابات عامة، وأن تنفذه فوراً قبل فوات الأوان.