عفوا معاليك ... قرارك خاطئ!
من أهم عناصر الإصلاح في أية دولة تحسين أنماط الإدارة في الدولة بحيث تصبح المساءلة والمحاسبة شأنا راسخا في تقييم العمل ، وأن يتم تنظيم وتطوير أسس اتخاذ القرارات في المؤسسات بشكل تشاركي وديمقراطي. وما يحدث لدينا في الأردن من أنماط لإدارة الوزارات يحتاج إلى الكثير من التطوير وألا يكون الوزير هو الحاكم بأمره المطلق في قرارات وتوجهات الوزارة الفنية والإدارية.
يمنح قانون الخدمة المدنية للوزير سلطات شبه مطلقة في وزارته حيث لا يملك أحد أن يعارض قراراته ، كما أن القانون يجعل الموظفين معرضين لقرارات النقل والاستيداع وغيرها من وسائل العقاب الإدارية التي يمكن أن يستخدمها الوزير ضد من ينتقد أو يناقش قراراته علنا. الكثير من الوزراء استخدموا هذه البنود بتعسف وبعضهم لم يمض على وجوده في الوزارة شهران حتى بدأ بإعادة هيكلة وزارته عن طريق إبعاد الموظفين أصحاب المعرفة والكفاءة إلى المحافظات أو إلى مواقع غير مؤثرة.
في هذا المناخ الإداري والقانوني نمت لدى الموظفين ثقافة اللامبالاة حيث لا يرغب أحد في الحديث بصراحة مع الوزير في القرارات أو التوجهات الخاطئة في انتظار أن يحدث التعديل الوزاري المنشود ويتم التخلص من الوزير ، ليأتي وزير آخر قد يصحح من القرارات الخاطئة أو أن يتخذ قرارات خاطئة جديدة وفي النادر يتم التصحيح. كل هذا التخريب المنهجي المستمر لثقافة العمل العام والمسؤولية المشتركة على الأخطاء والانجازات هي التي تخلق هوة واضحة ما بين الوزير والموظفين وبخاصة المدراء الذين يتجنبون النقاش المفتوح مع الوزير ويكتفون بالنقد وتعطيل العمل. وما يزيد الأمور سوءا تعاقب الوزراء السريع على الوزارات بحيث لا يمتلك لا الوزير ولا الموظفين الوقت الكافي لاستيعاب ملفات الوزارة ومتطلبات العمل.
وفي حالات معينة تكون هنالك إدارة ناجحة تحقق النتائج الإيجابية فقد كنت شاهدا على تجربة مهمة قام فيها وزير (استمر لمدة 5 سنوات وكان متخصصا في مجال وزارته) بتطوير الهيكلية الإدارية للوزارة والوصف الوظيفي والخطة الاستراتيجية والخطط التنفيذية من خلال اجتماعات متواصلة مع كبار موظفي الوزارة ونقاشات مفتوحة ساهمت في أن يكون كل موظف مشاركا ومقتنعا بهذه الخطط وقادرا على متابعتها بعد ذهاب الوزير.
الديمقراطية تبدأ من إدارة مؤسسات الدولة حيث يكون المسؤول الأول قادرا على التواصل الصحي مع الموظفين الذين يمتلكون الخبرات اللازمة للنجاح وقادرا على تحديد مكامن الخلل بطريقة فنية وعلمية وليس بأسلوب مزاجي وبالتالي ينجح المسؤول ويكبر بنجاح مؤسسته وليس بالعكس ولا يمكن لوزير يحاول ممارسة الدكتاتورية أو اختصار المؤسسة بشخصه الكريم أن يحقق اي نتيجة تسجل له على المدى البعيد. وفي المقابل فإن الدور الإيجابي المناط بالموظفين الكبار في الوزارات هو إرشاد الوزراء بالطريقة الصحيحة وتحديد الخيارات الخاطئة وعدم المضي فيها ولكن ذلك يتضمن أيضا حصانة قانونية من الانتقام الذي يمكن أن يمارسه مسؤول ضيق الأفق ويعاني من النرجسية وعدم تقبل الرأي الآخر ، وفي النهاية تكون الوزارة والدولة هي الخاسرة ويحتاج الأمر إلى كثير من الوقت وربما الأموال لإعادة تصحيح الأخطاء السابقة. وعندما نصل إلى مرحلة يمكن فيها لمدير أو موظف أن يقف أمام الوزير قائلا له أن توجهاتك خاطئة ويحدد الأسباب العلمية لهذه الأخطاء يمكن أن تكون الإدارة العامة في الأردن قد وصلت إلى المرحلة المطلوبة من المؤسسية.