وزارة التربية وملف التوجيهي


كان ملف امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) يشكل تحدياً من أبرز التحديات التي تواجه وزارة التربية والتعليم، بعد أن أصبح ظاهرة مقلقة من أخطر ظواهر التردّي التربوي، والتعدي على هيبة الدولة، وقدرتها على إعادة الإحترام لهذا الإمتحان، وإعادة الثقة لدى عامة المواطنين بعدالة الفرز ومعايير النجاح، وتكافؤ الفرص أمام أبناء الوطن.
لقد أبدت الوزارة الجدّية المطلوبة في تصحيح الأوضاع المختلة التي رافقت الإمتحان في السنوات السابقة، وقدمت جهوداً مشكورة إلى جانب الأجهزة والمؤسسات المختصة من أجل وقف التعدي على حرمة الإمتحان، ووقف ظاهرة تسريب الأسئلة قبل موعد الإمتحان، ووقف ظاهرة التواطؤ مع عمليات الغش، التي تطورت تطوراً مذهلاً في غيبة الرقابة الفاعلة، وانتشار عصابات الفساد التي استمرأت الإثراء والكسب غير المشروع من خلال السلوكات الشاذة، والتحايل على القانون ومخالفة التشريعات.
اعلان النتائج لهذا الفصل، على هذا النحو وبهذه الكيفية، شكل خطوة جريئة ومتقدمة تستحق الشكر والتقدير من كل منصف، ومن صناع الرأي العام، ومن القوى السياسية والإجتماعية التي ترقب المشهد بعناية، وذلك من أجل التقدم خطوات أخرى إلى الأمام أكثر جرأة وصوابية، من أجل استئصال شأفة الغش، ومحاربة مافيات التزوير بلا هوادة، ودون أدنى مجاملة، ودون إبداء أي درجة من درجات التساهل أو التواطؤ مع الغش، بكل مستوياته واشكاله.
تصحيح صورة الإمتحان، ومعالجة الإعتلالات التي تنقص من عدالته ونزاهته مهمة الدولة كلها بكل مؤسساتها، ومهمة المجتمع كله بجميع مكوناته وشرائحه، ويمثل ذلك حقاً على كل مواطن، وواجباً على كل صاحب مسؤولية وكل صاحب موقع، وعلى كل ولي أمر، وربة بيت، بلا استثناء، وهذا الموضوع ينبغي أن يخلو من المجاملة على مستوى الفعل، وعلى مستوى الكلمة، مع أولئك النفر الذين يسوّغون سلوك الغش الشائن الذي يتنافى مع المروءة والكرامة الإنسانية، ويتنافى مع العقل والمنطق، ويتنافى مع مقتضيات العدالة والنزاهة، كما يتنافى مع الشعور الوطني البديهي الذي يتوافر لدى كل شعوب الأرض.
نبارك للناجحين نجاحهم، ونبارك للمتفوقين تفوقهم، ونبارك لوزارة التربية والتعليم هذا النجاح، ونبارك لكل من بذل قطرة جهد في اخراج هذا الإمتحان من متاهة التردّي والهبوط، التي تسببت بإيجادها قلة غير منتمية لهذا الوطن، وغير منتمية لعروبة أو اسلام، ونقول للذين لم يحالفهم الحظ، أن الطريق ما زالت أمامهم لمواصلة مشوار الجهد والتعب والسهر من أجل تحصيل مزيد من الفهم والإدراك، ومن أجل تحسين مستويات التعامل مع مقتضيات العلم والمعرفة، بعيداً عن التفكير في سلوك منحرف يقوم على معاني الغش والتدليس.
ونقول للأطباء ولأصحاب التكنولوجيا، والذين يمتلكون ناصية المعرفة، أنه لا يجوز بأي حال تقديم أي جهد في مجال الغش، أو تقديم خدمة لأي طالب من أجل تحصيل علامة لا يستحقها، عن طريق تركيب سماعات مخفيّة في الأذن، أو إجراء عمليات تتعلق بهذا الشأن، لأن ذلك يمثل اعتداءً على الحق العام، واعتداءً على الوطن ومستقبل الأجيال العلمي، واعتداءً على العقل الأردني، كما أن ذلك يمثل اعتداءً على منظومة القيم، ومخالف للدين والمعتقد، ومخالف للعادات والأعراف الحضارية.
على الحكومة والوزارة أن لا تبدي تهادناً مع المخالفين، وأن لا تستجيب لضغوط الوساطات والمحسوبيات، مهما كان مصدرها، كما ينبغي لأصحاب الجاه والمسؤولية أن يرفضوا التدخل من أجل سير العدالة، وأن يرفضوا عرقلة مسير القضاء، وخاصة النواب والأعيان.
المطلوب من العشائر ومن زعماء العشائر، والشخصيات الوطنية والإجتماعية، أن تكون سنداً للوطن عن طريق مساندتها لإرساء معايير العدالة والنزاهة، ومساندة بقاء الإمتحان بعيداً عن كل مسارب الغش ووسائله، أن يعملوا جاهدين على خدمة وطنهم عن طريق دعم وصول الكفاءات وأصحاب المواهب والتحصيل العلمي، والمعدلات المرتفعة لمراكز الدولة ومواقع المسؤولية، وضرورة محاربة المعايير الظالمة التي تؤدي إلى انهيار المنظومة الأخلاقية، وضياع الأوطان وهلاك الأمم.