«محكمة» الحريري.. وهم العدالة ؟


 

تسع سنوات انقضت على ذلك اليوم من شباط 2005، عندما حوّل انفجار ضخم جسد رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري الى أشلاء، إضافة الى اكثر من عشرين شخصاً كانوا في موكبه.. مسؤولين، حراساً ومارّة، الأمر الذي ادخل لبنان منذ 14 شباط ذلك العام الى مرحلة جديدة، عمّقت روح الانقسام وهشّمت ما تبقى من الصيغة «الهشة اصلاً» التي لا يتوقف اللبنانيون عن التغني بها، وهي صيغة «العيش المشترك»، وكان الصدع الأكثر خطورة، بل الذي عملت عليه الدوائر والاجهزة والدول والاشخاص الذين وقفوا خلف هذه الجريمة النكراء، هو ايقاع الفتنة بين السُّنة والشيعة، حيث الاتهام سيكون جاهزاً ومباشراً، لان الأخيرين (الشيعة) يتوفرون على قوة عسكرية ضاربة، لعبت دوراً محورياً واساسياً في تحرير الجنوب وأضافت الى رصيدها السياسي الكثير بل وانتشلت «الطائفة» المهملة والفقيرة وعديمة الدور السياسي والتأثير الاجتماعي في لبنان لعقود طويلة.
ما علينا..
غدا رفيق الحريري نجماً ساطعاً في المشهد اللبناني, المحتقن، المنهك والمجبول بالعداوات والاحقاد والدماء, لم تجف بعد، ورائحة الجثث التي خلفتها المجازر والاغتيالات والتفجيرات, وخصوصاً اثار الغزو الاسرائيلي في العام 1982 واحتلاله بيروت, لم تغادر ذاكرة اللبنانيين, فهبط عليهم المليونير القادم من خلف الحدود والمتسلح بالدعم الاقليمي ولاحقاً الدولي، وخصوصاً في اتكائه على ملياراته التي ظن اللبنانيون لفرط سذاجتهم (أو لعمق جراحاتهم ان شئت) انها ستقيل بلادهم من عثراتها التي تسبب بها امراء الحرب وزعماء الميليشيات وملوك الطوائف والسماسرة والعملاء (دون ان نهمل دور الاجهزة والايادي والدول الخارجية بالطبع) الذين جاهروا بعلاقاتهم مع اسرائيل واستقبلوا قادة جيش الاحتلال بالورود والارز واستضافوهم في بيوتهم ومكنوهم من التجول (كضيوف وسائحين) في بلاد الارز..
اياً تكن قراءة او تقييم المرحلة الحريرية (التي للمناسبة لم تنته باغتيال الحريري الاب) فإن الرابع عشر من شباط 2005, قد أخذ لبنان الى مقلب آخر ومختلف تماماً, كان يسهل على أي متابع ان يرى كيف تم استثمار هذا الاغتيال من قبل قوى ودول واجهزة واحزاب لتمرير خطط جديدة أو لتحديث خطط قديمة والتأسيس لمشهد آخر، يمكن أن يوفر مناخات جيوسياسية, يتم توظيفها لرسم خرائط جديدة للمنطقة ويدفع بميزان قوى اخر.. الى المقدمة، غير ذلك الذي ساد حتى اذار 2003، عندما قرر المحافظون الجدد بدعم اقليمي (عربي وغير عربي) مكشوف, غزو العراق تحت شعارات ومزاعم من قبيل نشر الديمقراطية واطاحة السياسة الاميركية القديمة التي تفضل الاستقرار على حقوق الانسان والانتصار للشعوب. ما ان قضى الحريري، حتى انقض هؤلاء مرة واحدة وارادوا «استعادة» لبنان من محتليه السوريين وتقليم اظافر حزب الله والانتقام من داعمي المقاومة العراقية التي احالت انتصار بوش الابن الذي اعلنه عبر عبارته الشهيرة «انتهت المهمة الآن»، الى جحيم وراحت التوابيت واعداد الموتى تنغص على الاميركيين فرحة.. ربح الحرب!!
اخترعوا «ثورة الارز» بعد شهر من مصرع الحريري (14 آذار) ثم اخرجوا الجيش السوري وما لبثوا ان اوعزوا لاسرائيل لشن حرب على لبنان لتدميره والقضاء على حزب الله، ولم تكن شرعية المحكمة الخاصة بلبنان الهادفة الى «اكتشاف» ومحاكمة مَنْ اغتال الحريري، سوى النسخة الاكثر فشلاً في الإخراج والمسار، حتى بعد ان تراجع الوريث (الحريري الابن) عن اتهامه لدمشق ونام في سرير رئيسها، وبعد ان ادان تسرّعه باتهام النظام السوري باغتيال والده، ودائما بعد الفشل الذريع لحرب تموز 2006 على لبنان والانتصار المدوي الذي سجلته المقاومة اللبنانية.
دماء كثيرة سالت وتحالفات انهارت واخرى برزت، بين اغتيال الحريري وبدء محاكمة «قَتَلَتِه»، الذين «تحولوا» فجأة، بعد ان كانوا من اركان النظام السوري، ليصبحوا «شيعة» ومن حزب الله، ووقعت سوريا في «بئر» أزمتها وما تزال تواجه خطر الارهاب والتدمير..
بدأت المحكمة في اواسط الشهر الماضي، وانكشف هزالها وبؤس أدلتها وتفاهة مستنداتها، وها هي تؤجل اعمالها الى امد «طويل»، بعد ان لم تعد قابلة للتوظيف، ليس فقط لأن «قضية» الحريري، لم تعد مهمة على جدول الاعمال الدولي (هل كانت اصلا؟) بل لأن إغراق سوريا الدولة والشعب في الدماء والقتل والذبح وايقاع الفتنة بين السنّة والشيعة هو الهدف «الأسمى» الذي وقف وراء «اختراع» المحكمة ونفخ «ثوار الأرز» الذين وُضعوا على الرف وانتهت صلاحياتهم... أقَله حتى الآن.