الديمغرافيا والارقام والخوف من المجهول


قبل أسابيع خرج علينا وزير الداخلية معلنا الأرقام التي تخص اعداد الأردنيات المتزوجات من اجانب وابنائهن وبينت أهم الجنسيات لأزواجهن علما بأن هذه الارقام كانت أشبه ما يكون بألغاز يتداولها البعض ويتلاعب بها بما يخدم توجهاته واغراضه وما زال هذا البعض حتى اللحظة يتعمد الكذب بما يخالف الضمير المهني والأخلاقي حيث يصر باسفاف وبأسلوب المخادعة على أن المتزوجات من فلسطينين لا تمثل الفئة الأكبر بل أن المصريين يتقدمون عليهم علما بأن نسبة المتزوجات من فلسطينين تفوق 63% اما نسبة المتزوجات من المصريين فتبلغ 8.8% وهم يتساوون بذلك تقريبا مع السوريين وبسبب تعمد البعض توجيه الرسائل الخاطئة تولدت القناعة لدى الكثيرين بوجود نوايا مبيتة جعلت العديد من التيارات و الفعاليات تقيم الدنيا على رأس المبادرة وصاحبها وأهدافها. 

وقبل اسبوع كشف مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية أننا سنكون بعد ايام على موعد هام مع نتائج احصاء عام للاجئين الفلسطينين في الأردن يبين عددهم وأماكن تواجدهم واحوالهم المعيشية وعلى الرغم من تأكيد المدير أن ذلك يتم بمعزل عن الاجواء السياسية المحمومة في المنطقة فقد يلزمه الكثير من الذكاء لكي يقنعنا بذلك خاصة وقد ترافق اعلانه مع تسريبات بأن الدولة الاردنية تحتفظ بملفات كاملة ولديها احصائيات دقيقة ومنذ زمن تمهيدا لمتطلبات التوطين والتعويض. 

وحتى تكون هناك مصداقية لنتائج هذا الاحصاء نتوقع أن يكون هناك تقاربا – على أقل تقدير-مع أرقام جهاز الاحصاء الفلسطيني الذي قدّر عدد اللاجئين الفلسطينين في كل العالم ب(5.5) مليون في بداية العام 2013 منهم 40% في الاردن اي حوالي 2.2 مليون لاجيء وقد تختلف عن أرقام وكالة الغوث التي تسقط بعض اللاجئين. 

ومن يومين فقط تم الكشف عن دراسة حديثة تقول أن 51% من فلسطينّي الاردن يفضلون البقاء حيث هم والقبول بالتعويض لكن القائمين عليها لم يكشفوا لنا اكثر من حجم العينة (2400 شخص) الممثلة لعدد محدود من المخيمات في عمان والزرقاء(4 مخيمات) وانها استغرقت 3 شهور ولم تبين لنا الخصائص الديمغرافية لعينة البحث او احوالها الاقتصادية او خصائص آداة البحث ولم نتعرف هوية القائمين عليها - لكنهم اكدوا أنهم غير رسميين- فإنني شخصيا أُشجع اسلوب البحث العلمي وليس هناك خيرمن هذا النهج في مقاربة الواقع او الحقيقة. 

ولو سلمّنا أن هذه النسبة تصدق في المخيمات وهي التي ما زال ابناءها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم ويمثلون وحدهم بمخياتهم رمزية القضية فهذا يعني أن النسبة ستزيد بصورة مرعبة خارج المخيم. 

وبغض النظر عن ارآء الناس أو توجهاتهم فإنني افترض أن هذه الارقام تعطي فكرة أو مؤشراً تجاه رغباتهم وفي الواقع أن فرضية القبول بالتعويض والتنازل عن حق العودة تراود الكثيرين لكنهم لا يجرأون بالتصريح عنها علما بأن القائمين على التفاوض مع اسرائيل أنفسهم اعلنوا اكثر من مرة أن حق العودة غير واقعي وضرب من الخيال كما طالبوا بتوطين الفلسطينين اينما وجدوا وكانوا في بعض المراحل يروجون لاقناع الدول بالتجنيس وإغراءها بالمال مقابل التوطين وهنا اتسأل اليس هذا هو موقف اسرائيل ذاته؟. 

إن الوضوح والعلن والموضوعية تبدد الكثير من الوهم واللغط وتشكل اساسا صالحا لبناء المواقف والرؤى وتفصل في الكثير من نقاط التشابك إذ لم يعد اللعب في المناطق الرمادية مدعاة حكمة أو حنكة أو ذكاء.
الدوحة - قطر