إما دولة أو دولتان
يخلص ميراف أرلوزوروف، في هآرتس يوم 6/2/2014، عبر مقالته التي حملت عنواناً يقول "إدارة أخطار إسرائيل" إلى نتيجة مهمة، ومهمة جداً إذ يقول :
"مطلوب من إسرائيل أن تبدأ حواراً حول الخيارات التي تواجهها، والخيارات كما أرى سيئة وخطيرة، ولكن يجب أن نحضر النقاش العام في السؤال عن أي البديلين أقل سوءاً لإسرائيل، هل هو الخيار الأول وهو ضم المناطق وجعل إسرائيل دولة لكل مواطنيها، أو الخيار الآخر الذي يواجه إسرائيل وهو دولتان للشعبين، وقد حان الوقت للإصغاء لكيري، ولبدء العمل من أجل الاختيار بين خيارين سيئين، وتفضيل أقلهما سوءاً، وهذا قرار يجب أن يتم بته، وكل ما عدا ذلك إيهام".
لم يأت الكاتب الإسرائيلي في مقالته هذه بجديد، بل هو مقطع لمضمون النقاش الذي يجتاح المجتمع الإسرائيلي برمته، وقياداته، أجهزته الأمنية، أحزابه، ومثقفيه، ذلك أن المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، اصطدم بالحقيقة الديمغرافية الماثلة أمامه، وداخل مساماته، وستفرض عليه إعادة قراءة روايته التاريخية، ومشروعها الصهيوني، ومدى نجاحها أو إخفاقها في إنجازه.
فقد ارتكبت الصهيونية ثلاث حماقات ديمغرافية بنظر قادتها الأيديولوجيين، أولها بقاء مائة وخمسين ألف عربي فلسطيني على أرض عام 1948، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، باتوا اليوم مليوناً وأربعمائة الف عربي فلسطيني يشكلون خمس السكان في إسرائيل، وثانيها احتلال الضفة والقدس والقطاع عام 1967، وبقاء أغلبية أهلها على أرضها رغم ضيق ذات اليد، والترحيل، وجعل الأرض طاردة لأهلها، ومع ذلك بقي على أرض الضفة بما فيها القدس مليونان وسبعمائة ألف نسمة، وفي قطاع غزة الواقع تحت الحصار الإسرائيلي، وما بين الاحتلال والاستقلال، هنالك مليون وسبعمائة ألف نسمة، وثالثها السماح بعودة أكثر من ثلاثمائة ألف عربي فلسطيني مع الرئيس الراحل ياسر عرفات بفعل اتفاق أوسلو، هذا يعني أن على أرض فلسطين، أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون عربي فلسطيني ( 5.8 ) وحوالي ستة ملايين يهودي إسرائيلي، فشل كل منهما في إنهاء الآخر وتصفيته وإلغاء وجوده وفرض برنامجه ومشروعه، لا البرنامج الاستعماري التوسعي الصهيوني اليهودي الإسرائيلي انتصر في ابتلاع كامل أرض فلسطين وتطهيرها من شعبها، لتبقى نقية لليهود الإسرائيليين، ولا البرنامج الوطني الديمقراطي الفلسطيني انتصر بتحرير فلسطين من الغزاة ومن كبح جماح تزايد الهجرة الأجنبية إلى فلسطين.
ثمة تحولات جوهرية تمت لدى قيادات الطرفين، فقد تغير إسحق رابين عام 1993 بفعل الانتفاضة الشعبية المدنية الأولى عام 1987 واعترف بالعناوين الثلاثة : بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وتغير شارون بفعل الانتفاضة المسلحة الثانية عام 2000، وتخلى عن قطاع غزة عام 2005، وكاد يتخلى عن جزءٍ كبيرٍ من الضفة الفلسطينية، ونتنياهو الذي خوّن رابين، وانشق عن شارون لأنهما تخليا عن أرض إسرائيل، أُضطر لإعلان موافقته وقبوله بحل الدولتين، ولو كذباً وتضليلاً وتهرباً من الاستحقاقات الملحة المطلوبة منه.
والقيادات الفلسطينية، أيضاً تغيرت، فأبو الهوية الفلسطينية، ومفجر الثورة وقائدها من أجل تحرير فلسطين كان الأكثر براغماتية، قبل بالقرار 242، واعترف بإسرائيل، ووافق على دولة على 22 بالمائة من أرض فلسطين، بينما قبل محمود عباس أحد شركاء ياسر عرفات في تأسيس حركة فتح، العمود الفقري للثورة ولمنظمة التحرير، وأحد قادة الثورة لتحرير فلسطين، وافق على "حل متفق عليه" لقضية اللاجئين، وقبل "بالتبادلية" في الأراضي، وفق مبادرة السلام العربية.
الحقيقة الأولى المسلم بها والتي لا يستطيع أحد إنكارها وجود الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على أرض فلسطين، والحقيقة المطلوب التسليم بها أيضاً هو توفر الخيارين، إما دولة ديمقراطية ثنائية القومية، متعددة الديانات، تحتكم إدارتها إلى نتائج صناديق الاقتراع، وإما دولتان للشعبين تعيشان جنباً إلى جنب وفق قرار التقسيم 181، وغير ذلك هو استمرار الموت والقتل والعنصرية والاحتلال واستنزاف الموارد وغياب الأمن وفقدان الطمأنينة والاستقرار لكلا الشعبين.
لقد فشلت ثلاث إدارات أميركية في توفير أسس وأرضية نجاح التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا إدارة كلينتون عام 2000 في كامب ديفيد، ولا إدارة بوش في 2007 – 2008 في أنابوليس، ولا إدارة أوباما نفسه خلال ولايته الأولى 2009 – 2012، وجميعهم فشلوا في التوصل إلى تسوية واقعية معقولة بين الشعبين، فهل ينجح جون كيري فيما أخفق فيه رفاقه من قبله ؟؟.
h.faraneh@yahoo.com