عطوان:أتخشون الوطن البديل؟ اذا ارفضوا مبادرة كيري!

ان يتعرض جون كيري وزير الخارجية الامريكي لحملة هجوم مكثفة من قبل الاسرائيليين وبعض الكتاب اليهود الموالين لهم، ويتهمونه باللاسامية بسبب مقترحاته التي وردت في اتفاق الاطار الذي يضع لمساته الاخيرة ويهدد بفرضه على الفلسطينيين والاسرائيليين، فهذا لا يعني انه يحابي الجانب العربي على حساب الاسرائيلي، وانما لان الاسرائيليين يريدون ابتزازه وجلب المزيد من التنازلات من الفلسطينيين من خلاله.

المصيبة الكبرى ان الاحتجاجات على اتفاق الاطار هذا الذي سيكون ارضية المفاوضات المقبلة حول الحل النهائي تاتي من الاسرائيليين وليس العرب المتضرر الاكبر من هذا الاتفاق، الامر الذي سيعزز اعتقاد الوزير الامريكي بان صمتهم، اي العرب، دليل رضا، او عدم الممانعة، ما سيدفعه، للضغط بشكل اكبر على الفلسطينيين في القضايا الخلافية الكبرى تحت عنوان الوصول الى "حل وسط".

***

الاسرائيليون وليس نتنياهو فقط، استخدموا اسلوبا واحدا في الابتراز، ومن المؤسف انهم حققوا كل ما يريدون عبره، فقد فرضوا على الفلسطينيين والعرب التسليم بشرعية قيام اسرائيل، والاعتراف بها على اراض محتلة عام 1948، وشيطنوا اعمال المقاومة واعتبروها اعمالا ارهابية، ونجحوا مرة اخرى في اجبار منظمة التحرير على نبذها، واجبروا حركة "حماس" على وقف العمليات الاستشهادية من خلال حملة شيطنة عالمية وحصر الهجمات في داخل الارض المحتلة وعدم نقلها الى الخارج، بينما لم تتوقف اسرائيل مطلقا عن اغتيالات قادة المقاومة في الداخل والخارج معا.

الرئيس محمود عباس لا يريد الكفاح المسلح ويدينه، ولا يريد انتفاضة سلمية او غير سلمية، ويتحدث عن العصيان المدني من دون ان يحرض عليه، ويتنازل عن حق العودة الشخصي (لا يريد العودة الى صفد) ولاكثر من خمسة ملايين فلسطيني، ويراهن حاليا على وطنية نتنياهو، اي ان يرفض الاخير مقترحات كيري واطاره. اتفاق اطار كيري المقترح هو الاخطر على العرب والفلسطينيين منذ النكبة، لانه يعطي اسرائيل كل ما تريد في المرحلة الراهنة ابتداء من اسقاط حق العودة، ومرورا بالتنازل عن القدس المحتلة، والتسليم بالمستوطنات كامر واقع، وانتهاء بالاعتراف بيهودية دولة اسرائيل في حدود آمنة محمية بقوات اسرائيلية بملابس حلف الناتو.

مشروع كيري هو ابلغ تعبير عن الوطن البديل للفلسطينيين في الاردن، لانه يعني توطين نحو ثلاثة ملايين فلسطيني على ارضه مقابل تعويضات هزيلة للاجئين والاردن معا، وتشريع طرد ما يوازي هذا الرقم من الضفة والخط الاخضر، لان الدولة الفلسطينية "المسخ" التي ستقام لا تستطيع استيعاب هؤلاء او من سيعودون اليها من لبنان وسورية.

السلطات الاردنية تنبهت، وبعد تلكؤ، الى هذا الخطر، واعلنت "متأخرة" رفضها ليهودية اسرائيل، ونحمد الله انها فعلت، ولكن لا يكفي، ويجب تعزيز هذا الرفض وترجمته من خلال حملة دبلوماسية وشعبية على المستويين العربي والدولي.

يهودية دولة اسرائيل لا تعني طرد اكثر من مليون ونصف المليون عربي داخل ما يسمى الخط الاخضر، وانما ترحيل الفلسطينيين من الضفة الى الاردن باعتبارهم اغراب لان الضفة ارض يهودية في نظر اليهود (يهودا والسامرة)، والاهم من ذلك ان اي انتقاد لاسرائيل اليهودية هو امر مُعادٍ للسامية وصاحبه يقف في خندق ادولف هتلر.

***

امر مؤلم ان يبدأ العالم يتحرك ويتعاطى مع اسرائيل كدولة عنصرية ويفرض المقاطعة ضدها بينما يلتزم العرب الصمت ويطبعون علاقاتهم معها ويفتحون عواصمهم في وجه مسؤوليها.

اسرائيل تدرك جيدا ان العرب في قمة ضعفهم وتريد انتزاع ما تريد واكثر منهم فالمثلث العربي الذي تصدى لها دائما ولمشروعها معطوب، العراق ممزق وسورية تعيش حربا على السلطة ومهددة بالتفكك، ومصر تقف قبالة هاوية حرب طائفية وعقائدية وتزحف بسرعة نحو المجهول الغامض.

صمتنا وسقوطنا في فخ التضليل والاعتدال اوقعنا في اوسلو، والجري خلف سراب مبادرة السلام العربية، وسكوتنا على مبادرة كيري يعني التنازل عن كل ما تبقى من فلسطين، ومن دون مقابل ولهذا يجب ان ياتي الرفض منا لهذه المبادرة والا ننتظر مع عباس ونراهن على وطنية نتنياهو.

لِمَ يطرح كيري اتفاق اطار جديد وهناك اوسلو وقرارات الامم المتحدة ومجلس امنها ومبادرة السلام العربية؟ الاجابة بسيطة وهي ان كل مبادرة او اتفاق اطار تضمن تنازلات عربية لاسرائيل حتى لم يبق شيء للفلسطينيين لكي يتنازلوا عنه، اتفاق الاطار المقبل سيقدمه وزير الخارجية الامريكي القادم وينص على جملة واحدة وهي الاعتراف باسرائيل الكبرى من البحر الى النهر!