كيف "نطفّش" الطلبة العرب؟!

أعلن رئيس الجامعة الأردنية الدكتور اخليف الطراونة، أمس، أن جامعته قررت رفع رسوم الساعات المعتمدة لبرامج الدراسات العليا، والموازي العادي، والموازي الدولي، اعتبارا من العام الجامعي المقبل. مبررا ذلك بالسعي إلى معالجة العجز في موازنة الجامعة، ومن دون الاقتراب من رسوم دراسة البكالوريوس ضمن البرنامج العادي.
طبعا، هذا الرفع، تحديدا فيما يتعلق بالبرنامجين الموازي والدولي، سيطال أساسا الطلبة العرب الدارسين في الجامعة، ونسبة جيدة من الطلبة الأردنيين المغتربين في دول الخليج والخارج، ممن ضاقت بهم السبل للدراسة في دول الاغتراب، فعادوا إلى الوطن للتزود بالعلم.
ولم يعد خافيا أن رسوم الدراسة ضمن البرنامجين الموازي والدولي، تحديدا في الجامعة الأم (الأردنية)، ترتفع أصلا إلى أرقام كبيرة، وتقفز في العديد من التخصصات إلى أضعاف رسومها في "العادي".
وفيما لم يعرف بعد بصورة محددة توزيع ونسب الرفع للرسوم، فإن مسؤولا في الجامعة صرح لـ"الغد" أن الرفع يتراوح بين 25-40 % من الرسوم الحالية.
المفارقة الأبرز في هذا السياق، أن الإعلان عن رفع رسوم "الموازي" و"الدراسات العليا" في الجامعة الأردنية، والذي يتوقع له أن يشجع جامعات أخرى على الاقتداء بالجامعة الرئيسية، قد جاء مناقضا لما صرح به وزير التعليم العالي الدكتور أمين محمود، في أكثر من مناسبة مؤخرا، وبما يعزز صدقية تصريحات وتأكيدات حملة "ذبحتونا" التي تحدثت مؤخرا عن لجوء جامعات عديدة إلى رفع رسوم الدراسة في العديد من التخصصات، وحتى للبكالوريوس، ومن دون معرفة أو موافقة مجلس التعليم العالي ووزاته.
وفي تقييم خطوة الجامعة الأردنية الأخيرة، لن أزيد في التعليق بأكثر مما كان صرح به وزير التعليم العالي قبل أسابيع، عندما عارض فكرة رفع رسوم "الموازي" و"الدولي"، خاصة وأن لجنة رسمية كانت أوصت برفع الرسوم على الطلبة العرب في الجامعات الأردنية. بل اقترح الوزير، بدلا من رفع رسومهم، العمل على استقطاب عدد أكبر منهم، بحيث تزداد القيمة الاقتصادية الكلية لدراسة الطلبة العرب في الأردن.
ويدرس في المملكة حاليا نحو 35 ألف طالب عربي، النسبة الأكبر منهم من الأشقاء الخليجيين. ويقدر أن هؤلاء الطلبة يدرون دخلا كليا في الاقتصاد الوطني يصل إلى نحو نصف مليار دينار سنويا. يضاف إلى هذا العدد، عدة آلاف من الطلبة الأردنيين المغتربين الذين يدرسون أيضا في الجامعات الأردنية، ويعظمون من المدخول الوطني الاقتصادي لهذا القطاع.
رفع الرسوم على الطلبة العرب والمغتربين، قد يحل في المرحلة القصيرة والآنية جزءا من عجز الجامعة الأردنية وشقيقاتها. لكنه على المديين المتوسط والبعيد، سيضرب قدرة هذه الجامعات على التنافس مع دول أخرى على استقطاب هذه الشرائح من الطلبة، خاصة وأن حجم الأعباء المعيشية والاقتصادية باهظة ومرتفعة، بصورة لا تقارن بأغلب الدول العربية، ما يفاقم من كلفة الدراسة في الأردن على الطالب العربي والمغترب، وبالتالي سيبحث هو ودولته عن جامعات عربية وأجنبية أخرى للدراسة.
أما رفع رسوم الدراسات العليا، فتلك قصة أخرى، وتحتاج إلى بحث آخر أيضا.
أزمة التمويل والعجز في الجامعات الرسمية، قضية مهمة وخطيرة بلا شك، لكنها لا تنفصل عن أزمة التعليم العالي بتكامليتها، وتراجع دور الجامعات في الاعتماد على البحث العلمي، والقدرة على التشبيك مع القطاع الخاص من جهة، وغياب الرؤية الاستراتيجية للتعليم العالي الأردني، وحل مشاكله بعيدا عن سياسة رفع الرسوم المتواصلة عبر السنوات!.