المواصفات والمقاييس السياسية

في تاريخ العمل الوظيفي الاردني هناك يوميا قصة عمل دؤوب ومخلص , ولمن يريد مراجعة ارشيف الوظيفة الاردنية سيجده ممتلىء بقصص الامانة الوظيفية من لجنة اتلاف رطل برتقال ضيافة الامير عبد الله المؤسس في مدرسة الكرك الى مديونية الشهيد وصفي التل , الى محبة الاردنيين لشخص طاهر المصري وعبد الرحيم ملحس , الى اخر سلم القصص التي باتت اشبه بسيرة شعبية , بل ان نظافة اليد عنوان الزعامة الشعبية في الاردن على مرّ زمانه .
لست بصدد الانتقاص من قرار حيدر الزبن مدير المواصفات والمقاييس فهو قرار مهني وشجاع , لكنه من صلب اختصاصه وواجبه الوظيفي حيال دافعي الضرائب , وما نحن بصدده هذه الاحتفالية الضخمة بقرار صائب وكأن كل تراث الوظيفة العامة اسود وكل المدراء تشوب قراراتهم الشوائب ويخضعون للضغط من اصحاب النفوذ سواء كانوا جماعات او مؤسسات .
جميل ان نقول للمُحسن احسنت , لكن ليس بهذه الطريقة التي حملت ظلالا سوداء وكشفت لغير العارف ان المؤسسات العامة بمجملها فاسدة ومهترئة وان القرار الصائب نادر الحدوث في الاردن , دون التفات ان الاحتفالية كانت تستهدف عند سياسيين ونشطاء على العالم الافتراضي اثبات ضعف الدولة وكيف يتعرض الموظف الى كل انواع الضغوط للاستمرار في نهج الفساد وكيف ان الامن المنزلي بات معرضا للانفجار في اي لحظة وان 250 الف قنبلة تسير في شوارع المملكة .
تسييس قرار مهني يكشف عَوارا اجتماعيا اكثر من كشفه خللا مهنيا او مخالفة مواصفة , فهو يكشف كيف ان التَصيّد بات نهجا سياسيا لاثبات الحضور او لانتاج شعبية عبر تأييد قرار شجاع والانضواء تحت لافتة محاربة الفساد .
الاحتفالية تكشف ان ثمة هواجس ستنتشر في المحيط وسينسحب ذلك على السياحة خاصة العربية التي ستخشى الجلوس في مطعم او فندق او في شقة مفروشة لأن القنابل الموقوتة تسير على سيارات في الاردن فحتى تورا بورا لا يوجد فيها 250 الف قنبلة تسير في العلن , واصبحت عمان وضواحيها مناطق ساخنة وغير امنة .
مسلسل الخطايا ما زال مستمرا , ومسلسل الاستثمار الانتهازي لكل حدث في الاردن ما زال موصولا وبرعاية سياسيين وانتهازيين , ويقع فيه للاسف الرأي العام الشعبي وبعض النخب العاقلة التي تلحق بالركب تحت لافتة " اذا انجنوا ربعك عقلك ما بنفعك " فبدل استثمار الحادثة لاثبات ريادية مؤسسة وطنية مثل المواصفات والمقاييس واحترامها لحقوق الناس في استخدام ادوات آمنة بات الامر معكوسا ومقلوبا .
ننسى في غمرة انشغالنا بالنكايات الصغيرة والاصطياد العكر الالتفات الى وطن نذبحه بسكينة تَلِمة وبدم بارد وننسى في غمرة الاصطياد من اجل موقع او لايكات بالمئات اننا نُسيئ الى اقتصاد وطني ننتظر ان يتعافى وسط اقليم مشتعل , وننسى اننا نهدم سمعة مؤسسات وطنية نريد لسمعتها ان ترتفع من اجل جذب الاستثمارات التي هربت من الفساد ومن تضخيمه وهربت من المعالجات الاعلامية الخاطئة .
قرار مدير المواصفات والمقاييس قرار جرئ وشجاع وقرار يستحق الاحترام لانه يمنح الاردن سمعة مضافة على سمعته وامنا مضافا على امنه والاحتفال به بهذه الطريقة يكشف انه مثل الغول والعنقاء , ولا نحمّل الرجل مسؤولية الاحتفالية المحشوة بالزجاج المهشم بل يتحمل المسؤولية تجار النخاسة من السياسيين والانتهازيين الذين يرقصون على اوجاعنا من اجل العودة الى المقاعد الوثيرة .