من أين يأتي المعشـر بكل هذا التفاؤل؟
اختار نائب رئيس الوزراء الأسبق مروان المعشر طريقا مختلفا عن كثير من الساسة الأردنيين الذين يخرجون من دائرة الحكم ويقبلون بالبقاء في الهامش وممارسة الواجبات الاجتماعية. المعشر الذي ترك الأردن محبطا من نجاح التيار المحافظ في الدولة من إضعاف خطته الإصلاحية الواعدة والتي صدرت تحت مسمى الأجندة الوطنية في العام 2005 عمل نائبا لرئيس البنك الدولي ومن ثم مؤسسة كارنيجي المشهورة التي تعتبر أفضل وأهم مركز بحثي في الشرق الأوسط.
المعشر تحول من سياسي بارز يحظى باحترام الغالبية العظمى من الإعلاميين والمثقفين والنشطاء السياسين في الأردن إلى منظر سياسي على مستوى إقليمي ودولي تتسابق دور النشر على إصدار كتبه ويحظى بمكانة هامة ما بين الباحثين السياسيين في العالم. في كتابه الجديد الذي صدر في الولايات المتحدة مؤخرا ونأمل أن يصل الأردن مع الشحنات المعتادة من كتب الطبخ والتنجيم يقدم المشعر منظورا متفائلا للربيع العربي حتى في سياق الوضع الحالي البائس الذي تمر به كافة الدول التي اصابها هذا الربيع، باستثناء تونس نسبيا!
أتطلع قدما لقراءة كتاب المعشر حتى أحظى بفرصة للحصول على بعض التفاؤل والتي أفقده فورا عند قراءة الأخبار الرئيسية الصادرة من العالم العربي، وإلى حين وصول الكتاب فقد قرأت تقريبا معظم الشروحات والعروض المفصلة التي تمت من قبل الصحف ومراكز البحث والمواقع الإلكترونية الجدية.
النظرية الرئيسية التي يطرحها المعشر أنه من السابق لأوانه الحكم على نجاح أو عدم نجاح التحولات التي تحدث في العالم العربي منذ العام 2011 وذلك لأن هذه المنطقة لم تمارس الديمقراطية بالشكل المتعارف عليه دوليا وبالتالي من الصعب وجود تقاليد ديمقراطية خلال 3 سنوات. كتاب المعشر الذي جاء بعنوان "الصحوة العربية الثانية” يقارن ما بين الصحوة العربية في نهاية القرن التاسع عشر والتي أدت إلى الثورة العربية الكبرى في مواجهة الأمبراطورية العثمانية والتي خلقت الدول العربية الجديدة وحملت طموحا في الوحدة لكنه تعرض لقمع كبير غالبا من الأنظمة "الوطنية العسكرية” التي مارست حكما تسلطيا. هذه الأنظمة وفرت "استقرارا اصطناعيا” بالقوة وفور أن خرجت الأنظمة من الصورة حدث انفلات نتيجة سنوات طويلة من الكبت.
حول انتشار القوى الإسلامية في المنطقة في فترة الربيع العربي يشير المعشر إلى أن شعبية الإسلاميين انخفضت كثيرا الآن بعد ممارساتهم في الحكم أو في الثورة أو المرحلة التي تلتها والتي قلصت كثيرا من ثقة الناس بهم. ويعتقد المعشر بأن المجتمعات العربية لن تقبل بطريقة حكم القوى الإسلامية التقليدية في المستقبل، وسوف تختار أنظمة تعددية وديمقراطية ويكون مقياس الشعب لتقييم الحكام هو النجاح في إدارة الدول والاقتصاد وليس الشعارات التي يرفعونها.
ينهي المعشر طروحاته بالقول أن منهجية الحكم المطلق انتهت في العالم العربي وأن كل الأنظمة سوف تضطر لبناء شراكة مع المجتمعات في إدارة الدول وتحقيق الاستقرار فيها ولكن التحدي الأكبر هو في إقناع الناس بشكل عام بمصداقية التوجهات الإصلاحية.
لا يمكن إلا أن نتعامل بجدية واحترام كامل مع طروحات شخص بمكانة وخبرة ودور مروان المعشر، وأتمنى فعلا أن يكون تفاؤله في مكانه مع أنني أجد صعوبة كبيرة في رؤية نهاية ايجابية لما يحدث في عالمنا العربي منذ 3 سنوات وأكثر!