«عَلّامةُ العَصْرِ الحدِيثِ»

بسم الله الرحمن الرحيم

 

«عَلّامةُ العَصْرِ الحدِيثِ»

الأستاذ الدكتور الشيخ فضل حسن عباس -رحمه الله-

 

ما بالُ قَلْبي مِنْ مُنَاهُ يَفْرَقُ

 

هَرَباً وبَيْن صروفِه لا يَفْرُقُ([1])

ما بالُهُ كمشوقٍ ٱضْناهُ الهوى

 

لا الدُّرُّ يُسْليهِ ولا الإسْتَبْرَقُ

يَهْوِي إليْه اللَّهْوُ أفئدةً فلا

 

يَهتَزُّ مِنْهُ هَوىً ولا مُتَعَشَّقُ

فتياتُ باريسَ اللّعوبِ ولُطْعُها

 

             سِيَّانِ في طيَّاتِه والخــــَــــيْفَقُ([2])

العَهْدُ بالشعراءِ أنّ قلوبَـهم

 

كدموعِ عَيْنٍ بالهوى تَترقرقُ

يا ويْحَ قلبي ما لَه لا يشتكي

 

أَقُلَاعَةٌ هُوَ في الحشا أَمْ خَنْدَقُ([3])

ما بالُه لا يشتكي وَصرُوفُها

 

جَهْراً وسِـرَّاً بالهموم تَصَدَّق

فكأنّه مسكينُ أهلِ زمانِهِ

 

وكأنّـها الطائيُّ حاتمُ يُنْفِقُ

وإذا الفتى اسْتَغــْنى بنيْل مُرَادِه

 

فالدُّرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لا يَتَألَّقُ

إلّا خصالَ الأَلْمَعِيِّ وَفَضْلَها

 

مَنْ فَضْلُهُ مِنْ فَضْلِهِ لا يَخْلَقُ([4])

«فضلُ بن عبّاسٍ» وما أدراك ما

 

«فضل بن عبَّاسِ» الـهُمام الغَيْدَقُ

علّامة العصر الحديثِ ونجْمُه

 

واللهُ يؤتي مَنْ يَشَا ويُوَفِّق

اللهُ أَكرمه وأعلى قَدْرَه

 

أَأَجَلُّ مِن هذا مَقامٌ يُعْشَقُ

وأَراهُ يسمو بالتواضعِ عِزَّةً

 

وَذَوُو التكبُّرِ في المهانةِ قَدْ شَقُوا

كالدرّ يَزْهو في مكامِن بـَحْرِه

 

عِــــزَّاً وَما يَعلو حَبابٌ يَزْهَقُ([5])

والاسْمُ للإنسان بعضُ شُعاعِه

 

والشيءُ يُبْصَر بالشُّعاع ويُرْمَقُ

أمّا اسم فاضِلِنا فكلّ ضِيائِه

 

فَضْل على فَضْلٍ وربُّكَ يَرْزُقُ

 

*****

 

قُلْ لِي إِمامُ... أَتْذُكُر الـمُهَج التي

 

عَلِقَتْكَ هائمةً ومِثْلُك يُعْلَقُ([6])

مُذْ كُنْتَ طِفْلاً يافعاً فَمُحَمِّماً

 

ثمَّ اسْتوَيْتَ على الكهولةِ تُوسِقُ([7])

ولبسْتَ مُحْتشِداً ثلاثَ عمائمٍ

 

وجَلالُ وجهكَ بالأخيرةِ أَلْيَقُ([8])

وسَرى مشيبُكَ في الظلامِ وكلّما

 

جَدّ المسيرُ محا الظلامَ المشْرقُ

إنْ شابَ رَأسُك من غبارِ زمانِه

 

قَسماً فقلبُك بالشّباب مُرَنَّقُ([9])

وإذا بكى رأسُ النَّهِيِّ بِشَيْبه

 

ضَحِكَ المشيبُ بقلبه والرَّوْنَقُ

ظَمَأُ الحَنانِ بِعَطْفِ قلبِك شاربٌ

 

أبغيْرِ ما فيه يَفيضُ الدَّيْسَقُ([10])

إنْ يعجبوا مِن كُثر دَاءِك قاصِداً

 

فَالبَحرُ تَقْصِدُه السِّباعُ وَالٱنْيُقُ([11])

والداءُ تَحْناناً يَزُورك تائقاً

 

وَحَشاه مِن يومِ التّرحُّلِ مُشْفِقُ

حتّى إِذَا أَزِفَ الفِرَاقُ وَحَشْرَجَتْ

 

أَنفاسُ دَمعِكَ ساخناً يَهْرَوْرِقُ

أَبْصرْتَ أَدمُعَهُ كدمعِكَ لاثـِماً

 

فٱعجَبْ لِداءٍ بالدموعِ يُرَوَّقُ([12])

وٱعجَبْ لَهُ يـُمْسي مَريضاً مُدْنَفاً

 

أَرأيتَ داءً بالفِراق يُدَنَّقُ([13])

 

*****

 

يا أيّها الدّرّيُّ حَسْبُك رِفْعةً

 

أَنَّ الفضائِلَ في عُلاكَ تُحَلِّقُ

كالنّجم يَسْبح حوله أقمارُه

 

وَبِضَوْئِه أنوارُهُنّ تَخَلَّقُ

تُبْدي أشعتُه لآلئَ حِكْمَةٍ

 

يهفو لمرآها اللَّبيبُ المفْلِقُ

عَلّامةَ العصر الحديثِ ونجمَه

 

لِـمَ لا تكونُ كذا ونُورُك أَبْثقُ

إِنْ يجهلوك فلستَ أوّل ثاقبٍ

 

يُعْمي قلوبَ المغرضين ويـَمْحقُ

أو يَطْمسوكَ أَخِلْتَ في غير الرُّؤَى

 

مَنْ يَطْمِس الشِّعْرَى بفِيه ويُزْهِقُ

أَو إِن يعيبوا فيك دمعاً حانياً

 

أيعيبُ قلبَ الأمِّ عطفٌ يَدْفُقُ

لا عَيْبَ فيكم غيرَ أنَّ حديثكم

 

كالسِّحْرِ يُنْسي القلب ما يتشوّقُ

إنّ الذين يجالسونك إنما

 

يتفيَّئُون ظِلال بِرٍّ يَعْبَقُ

ويطوف وِلدان الوِداد عليهمو

 

غُرَراً بِأكواب العلوم ليسْتَقوا

وتراهمو سَكرى بـهنّ وما همو

 

سَكْرَى ولكنَّ السكينةَ تَنطِقُ

والقَلْبُ يَبلغ أين يبغي مُخْلِصاً

 

وَلَوَ ٱنّه بِقُوى السّلاسل مُوثَقُ([14])

اللهُ أكبر كم سرى في مهجتي

 

مثوى النبيّ ونُورُه المتألِّقُ

حبُّ النبي سَجِيَّةٌ لو أَنَّـها

 

رأت الشقاءَ لجُنّ فيه الرَّونَقُ

 

*****

 

قُلْ لي بربِّك يا إمامُ وعِلْمِه

 

أَنّى لك العلمُ النميرُ الـمُغْدِقُ

أنتَ الغمامُ الدَّجْنُ يَسقي غيثُه

 

أهلَ التقى أما الطغاة فيصعقُ

ينمو به زرعُ العقيدةِ يانعاً

 

وحدائقُ التفسير غُلْباً تَسْمُقُ

وجنانُ أشجارِ الحديث وَوِرْدِه

 

وجنى أصولِ الفقهِ دانٍ مُونقُ

وزكت أزاهيرُ البلاغةِ كلّها

 

وأقاحها متفاوِحاً والزَّنْبقُ

وَحَنَتْ عَلَيْكَ بِعِطْرِهَا وأريجها

 

وبيانُـها وبديعُها والمنطقُ([15])

قد ظَلَّلَتْكَ ظَليلَةً «أفنانـها

 

وفنونـها» تَرنو إليكَ وتَرْمُقُ([16])

«بلطائف المنّانِ» تَسْمُو سُؤدداً

 

و«بمهجة الإسراءِ» قلبك يَخفقُ([17])

وأرى «خماسِيّاتكم مُختارةً»

 

صبح تَنفّسَ أو غمامٌ غيدقُ([18])

لو أنّـها غمرت دمي لأراقَهُ

 

حسدٌ مِنَ الأعضاء أو لَتَمَلَّقُوا

سبحان ربّي كيف يرجوه امرُؤٌ

 

والشرّ من أنفاسه يتفلّقُ

أو كيف يأمن مكره مستكبر

 

عن آيه أو ساخرٌ مُتَأَبِّقُ

الله أكبر كم بدا «إعجازكم»

 

فِكَرَاً تُرتلها العقول فتَعبَقُ