بين زمنين.. الحسين وعبدالله الثاني
يصر ساسة ورجال دولة تولوا مناصب رفيعة في عهد الملك الحسين رحمه الله، أن الدولة كانت في زمانهم أفضل حالا مما هي عليه اليوم. وأن طبقة السياسيين في تلك العهود لا تُقارن بسياسيي هذه الحقبة. ويخلص هؤلاء إلى القول إن الدولة الأردنية تغيرت بشكل جذري في عهد الملك عبدالله الثاني الذي مضى على تسلمه مقاليد الحكم 15 عاما.
عندما أنظر إلى طاقم رجال الدولة الحاليين، لا أجد فروقا جوهرية غالبية منهم في مواقع المسؤولية حاليا، كانوا من رجال الملك الحسين. رئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة، كان آخر رئيس وزراء في عهد الملك الراحل؛ رئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة، كان وزيرا وعمدة لعمان. ويقول مقربون من القصر إن الحسين قبل وفاته أوصى بالروابدة رئيسا للوزراء، وهذا ما كان بالفعل.
رئيس الوزراء الحالي د. عبدالله النسور، حمل أكثر من حقيبة وزارية في عهد الحسين، وكان وزير خارجيته في حكومة طاهر المصري، واستقال بسبب مؤتمر مدريد للسلام. والمصري الذي كان حتى الأمس القريب رئيسا لمجلس الأعيان، كان رئيسا للوزراء في عهد الملك الحسين.
أبرز أعضاء مجلسي النواب والأعيان كانوا إما وزراء، أو أعضاء في مجلس الأمة في زمن الحسين؛ عبدالهادي المجالي، وعبدالكريم الدغمي، وغيرهما.
أين الاختلاف، إذن، بين العهدين؟ وما الفرق بين رجال الأمس واليوم؟
حتى قادة المعارضة لم يتغيروا. فباستثناء من لقي وجه ربه، ما تزال الوجوه على حالها في صفوف الإسلاميين واليساريين والقوميين؛ لا بل والشخصيات المستقلة، أمثال ليث شبيلات الذي حكم بالإعدام في عهد الملك الحسين، وخرج بعفو ملكي دراماتيكي؛ وتوجان فيصل التي سُجنت هي الأخرى، ولكن في العهد الجديد. أحمد عبيدات لم يتحول إلى شخصية معارضة في عهد الملك عبدالله الثاني، وإنما في عهد والده. هل تذكرون، أُقيل من "الأعيان" بعد أن اعترض على معاهدة "وادي عربة"، ولم يتول منصبا في الدولة إلا في عهد الملك الحالي، وأُقيل منه أيضا بنفس الطريقة. ما الفرق إذن؟
وظاهرة الحكومات قصيرة العمر، ليست ميزة للعهد الجديد، بل تقليد عابر للمراحل؛ في عهد الحسين حكومات لم تعمر سوى أيام، ومعدل عمر الحكومات في الأردن لم يتجاوز التسعة أشهر.
هل كانت الدولة أقوى مما هي عليه اليوم، أم أن المشاكل متوارثة؟
في آخر 15 سنة من حكم الملك الراحل، وقعت سبع انتفاضات شعبية، سقط فيها ما لا يقل عن خمسين قتيلا. وبعد 15 سنة بالتمام والكمال من حكم الحسين، وقعت نكسة 67.
وقبل عشر سنوات من رحيله المفجع، انهار الاقتصاد الأردني، وأفلس البنك المركزي. ومنذ ذلك الوقت، بدأت عمليات الخصخصة في الأردن، واستمرت كما هو مخطط لها إلى يومنا هذا. فما الجديد إذن؟
منذ آخر حكومة للرئيس الشهيد وصفي التل، لم يحاكم مسؤول أردني بتهم الفساد. أرفع المسؤولين الذين دخلوا السجون أو حوكموا بقضايا الفساد، كانوا في عهد الملك الحالي. نترك للقراء عدّهم.
من خلف ظهرنا، وقّعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقية أوسلو. كان ذلك قبل عقدين ونيف. ألم يكن ذلك فشلا سياسيا واستخباريا للدولة؟ كيف تُبرم صفقة تاريخية بهذا الحجم، من دون أن نعلم بها؟ وهل يُقارَن مسار المفاوضات الجارية اليوم، وموقف الأردن منها، بما كان يحصل من "لغوصات" في ذلك الزمان؟
مضى على حكم الملك عبدالله الثاني 15 عاما. قبلها بسنوات، كان ميناء الأردن الوحيد يخضع لحكم شركة "لويدز" التي تقرر ما يدخل إليه من بضائع؛ كانت علاقتنا مع أميركا في أسوأ حال، ومع دول الخليج شبه مقطوعة، ومع سورية متوترة لأبعد الحدود، ومع العراق حرب استخبارية مشتعلة.
أي زمن جميل يتذكر ساستنا المحترمون؟!.