تصعيد حقيقي أم فشنك



ثمة تصعيد ثلاثي يطغى على المشهد السياسي، وترتفع وتيرته تدريجياً كلما اقتربت ساعة الاستحقاق، معبرة عن مواقف الأطراف الثلاثة، المشاركة بمسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تحت رعاية الوزير جون كيري، والسفير مارتن إنديك.
الرئيس أبو مازن، وأمام وفد شبيبة القدس وأهلها، بعث برسالة سياسية إعلامية جماهيرية حازمة، غير معهودة من قبل، نحو أهم ثلاث قضايا تشغل بال الشعب العربي الفلسطيني، بمكوناته الثلاثة: فلسطينيي مناطق 48، وفلسطينيي مناطق 67، وفلسطينيي اللجوء والشتات فقال:
1- نرفض بشكل مطلق الاعتراف بيهودية الدولة، وهي رسالة لأبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة.
2- نطالب بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة منزوعة السلاح، عاصمتها القدس الشرقية وليس في أحياء القدس العيزرية أو أبو ديس أو شعفاط، وهي رسالة لفلسطينيي مناطق 67، أبناء الضفة والقدس والقطاع.
3- حق العودة حق جماعي وفردي لا يمكن المساس به، ولا يزول بالتقادم، ولا يسقطه تنازل الأب عن حق أولاده في العودة، وعن حق هؤلاء اللاجئين المبعدين عن منازلهم منذ أكثر من ستين عاماً وحقهم في استعادة ممتلكاتهم المصادرة من قبل الدولة العبرية منذ العام 1948، وهي رسالة لأبناء الشتات واللاجئين، لتأكيد حقهم في العودة وفق القرار 194.
صحيح أن هذه هي الثوابت الفلسطينية المعهودة المقرة من قبل المجالس الوطنية المتعاقبة، تجسيداً لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المعبر عنها في قرارات الأمم المتحدة: قرار التقسيم 181، وقرار عودة اللاجئين 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، وعشرات القرارات المماثلة، والمؤكدة لهذه الحقوق غير القابلة للتبديد والتصرف أو الإنهاء مع مرور الوقت أو الزمن أو بالتقادم.
ولكن هذه الحقوق تم المس بها، أو إضعافها أو التقليل من مضمونها من خلال مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت آذار 2002 وأكدتها القمم العربية المتتابعة، والتي تحدثت عن 1- "حل متفق عليه" لقضية اللاجئين وهي أضعفت المطالبة بحقهم المطلق في العودة إلى مناطق 48 واستعادة ممتلكاتهم فيها وعلى أرضها، و 2- ما يسمى "بالتبادلية" للأراضي بالحجم والقيمة، وهي فتحت شهية الإسرائيليين على بقاء مستوطنات في أراضي 67 وضمها إلى مناطق 48، وتجاوبت مع أطماعهم الاستعمارية في الضم والتوسع.
وهنالك تصعيد إسرائيلي يوازي التصعيد الفلسطيني بل ويتفوق عليه، من خلال تصريحات تسيفي ليفني عن أبو مازن، وأن لا انسحاب إسرائيليا من سنتيمتر واحد من أراضي الضفة حسب وزير الحرب موشي يعالون، وغيرهم من وزراء "الليكود" وأحزاب الائتلاف وصولاً إلى تصريحات نتنياهو نفسه المتطرفة.
وهنالك تصعيد أميركي من قبل كيري شخصياً، وتهديدات عن مخاطر المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وجلبها للمؤسسات الحقوقية الدولية تمهيداً لمحاكمتها وفرض العزلة عليها أسوة بجنوب إفريقيا العنصرية، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مع منظمة التحرير وإنهاء الصراع معها.
التصعيد الثلاثي من أبو مازن وحكومة نتنياهو ومن كيري، تعكس احتمالين أولهما الإحساس بالفشل والرفض لمضمون ما يجري، وثانيهما تصعيد كلامي إعلامي يستهدف الجمهور بهدف تضليله تمهيداً لتقديم تنازلات متبادلة ومتوقعة ومفروضة على طرفي الصراع، ولذلك لا أحد يستطيع التكهن بالخطوة المقبلة، لأن المفاوضات قائمة ومبنية على صراع إرادات بين الأطراف.
قبل رحيله قال القائد الفلسطيني أبو العباس أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية: لا يوجد أسهل من القتال لأنه مكشوف، ولا يوجد أسهل من الرفض، لأنه بلا ثمن، ولا يوجد أصعب من المفاوضات لأنها تتطلب إدراك الحقوق وفهمها وهضمها والتمسك بها، مثلما تعتمد على موازين القوى على الأرض، فالمفاوضات صراع بين الأعداء والخصوم، وقتال شرس فيما بينهم على الطاولة، وهذا ما يتم، وما يجري على طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تمتد من رام الله إلى تل أبيب ومنهما نحو واشنطن، وعمرها الزمني يمتد إلى عشرات السنين، وإلى الرواية النقيضة من الطرفين للطرفين في محاولة لإبراز وجود طرف على حساب الآخر، وحقيقة الأمر أن الطرفين وصلا إلى معادلة لا تنهي الطرفين على الأرض الواحدة التي تحولت مكاناً للشعبين فشل كل منهما في إلغاء الآخر وتصفيته.
h.faraneh@yahoo.com