كلمات في وداع فوز الدين البسومي

فقدت الأسرة الصحفية والأدبية واحداً من الذين أفنوا حياتهم في حمل مسؤولية الكلمة، ورائداً من رواد الصحافه حيث ودعنا بالأمس القريب الزميل العزيز الأستاذ فوز الدين السبومي «أبو العبد» مغادراً هذه الدنيا الفانية.
كان فوز الدين أكثر من أخ وصديق وجار، حيث كان التعارف في مطلع السيتينات من القرن الماضي في جريدة عمان المساء وجريدة الصحفي وهما من الصحف الأسبوعية، حيث كنت طالباً وأقوم بالإشراف على صفحة للطلبة، بينما كان أبو العبد يحرر صفحة بريد القرار، إلى أن توطدت علاقاتنا مع صدور العدد الأول من الدستور في شهر آذار من العام 1967، حيث كنا من أوائل الصحفين العاملين فيها، إلى أن أقنعنا المرحوم بإذنه تعالى المهندس حمدالله النابلسي مدير عام مؤسسة الإسكان بأن نحصل على شقة في ضاحية الحسين للإسكان بعد أن حصل أستاذنا المرحوم إبراهيم سكجها على شقة بالتقسيط لمدة عشرين عاماً.
كان القسط الشهري (19) ديناراً وثمانمائة فلس، وكان يشكل عبئاَ كبيراً على فوز الدين، وعليّ أنا، وكذلك على أبو باسم والذين كان يحصل على أعلى راتب في الجريدة حيث بلغ (60)ديناراً.
واستمرت الرحلة طوال العقود الماضية، وتعرفت أكثر إلى فوز الدين البسومي، والذين عشق الصحافة منذ الصغر، وكان حافظاً للقرآن الكريم في سن مبكرة، حيث يقول، إن القرآن الكريم، كان السبب الرئيس في تحسين لغته العربية، وإتقان مخارج الحروف.
شغفه وحبه للصحافة جعله يتوجه قبل النكية من مدينة الرملة مسقط رأسه الى يافا ماشياً لشراء صحفية من مصروفه اليومي، بينما كان والده يؤكد عليه بأن الصحافه لا تطعم خبزاً.
فوز الدين البسومي أبدع عندما أصدر كتابه الذي يحمل عنوان: «حكايات الناس» والذي ضمنه ذكريات ومفارقات مذهله، وبقي هذا الرجل الذي تجاوز الخامسة والسبعين عاماً وحتى آخر أيامه متقد الذاكرة، ويواصل كتاباته الشيقه في الدستور وغيرها ويشرف بنفسه على تحرير مجلة طريق السلامة منذ نحو ثلاثين عاماً دون كلل أو ملل.
في العام 1955، أقدم فوز الدين البسومي على خطوة جريئة وغير مسبوقة، حيث علم أن مؤتمراً لدول عدم الإنحياز سيعقد في باندونج في أندونيسيا، فكتب الى رئيس هيئة الاستعلامات في القاهرة عبر القادر حاتم رسالة يقول فيها، إنه يرغب بلقاء الرئيس جمال عبد الناصر، ويشارك في مؤتمر باندونج.
كم كانت دهشته كبيرة عندما اتصل به بعد أيام السفير المصري في عمان ووجه اليه دعوة لحضور المؤتمر حيث قابل العديد من الرؤساء، ولم يكن يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ونشر تلك المقابلات في صحيفة فلسطين والتي كان إبراهيم سكجها سكرتيراً للتحرير فيها. ونشر رئيس تحرير مجلة المصور المصرية انطباعاته عن المؤتمر فذكر بأن وليد صلاح وزير خارجية الأردن كان أصغر وزراء الخارجية وفوز الدين البسومي أصغر الصحفيين.
أسهم فوز الدين البسومي عبر الدستور طوال أربعين سنة في صقل مواهب العديد من الأدباء الذين يحتلون الآن مكانة مرموقة، بعد أن كانوا من الذين يكتبون لديه في صفحة بريد القراء، وأسهم أيضاً بحل مشاكل المئات في الأسر والمواطنين الذين كانوا يبعثون بمشاكلهم اليه، ويعمل على حلها مع المسؤولين مباشرة، حتى أن مكتبه كان يعج بالمحتاجين والمرضى، وكأنه مكتب يتبع وزارة الشؤون الاجتماعية.
حظى أبو العبد باحترام وتقدير المسؤولين، والأدباء، والزملاء في الأسرة الصحفية، وكان الأكثر حرصاً على إداء واجباته الاجتماعية، والمشاركة الفعالة في معظم المناسبات السياسية والأدبية والإعلامية والثقافية.