"الضمان" بين متربص وحارس

 

 

ما من شك أن منسوب القلق الذي ساور الأردنيين حيال أموال صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي خلال الفترة الماضية لم يكن له مثيل من قبل في ظل سياسات حكومية سعت لتجاوز استقلالية المؤسسة والتدخل بقرارها الاستثماري.

 

محاولات التدخل الحكومية المستثمرة بصندوق استثمار الضمان تم من خلال فرض مشاريع أو سحب مشاريع من صندوق استثمار أموال الضمان لصالح القطاع الخاص.

 

ولولا وجود رجال وطنيين وشرفاء أمثال رئيس الصندوق السابق فارس شرف خلال تلك الفترة لشهدنا تجاوزات يندى لها الجبين، كونها تهدد محفظة استثمار أموال الأردنيين وضمانة مستقبل الأجيال الحالية وتلك المقبلة.

 

ويبدو أن الظرف الحالي وشعار الإصلاح الذي ترفعه حكومة معروف البخيت يستدعي منها اتخاذ إجراءات وإقرار تشريعات تكفل استقلالية الوحدة وتمنع تغول الحكومات عليها، بغض النظر عن الحكومة.

 

بعد الأزمة المالية العالمية وتراجع موقع المملكة الاستثماري، وتراجع معدل الاستثمار الأجنبي بمعدل 76 % خلال العام الماضي، تبدو الحاجة ملحّة أكثر للحفاظ على محفظة الناس من خلال وضع معايير محددة لإدارة ثرواتهم في مشاريع ذات جدوى اقتصادية وبعيدا عن التنفيعات والمصالح الخاصة لأية جهة كانت.

 

الأسئلة التي دارت حول مصير أموال الضمان واستثماراته كبيرة وكثيرة، لا تبدأ بمشروع دابوق ولا تنتهي بحصة الصندوق في بنك الإسكان، وبقاء الباب مفتوحا أمام التدخلات في الصندوق والضغط عليه من هنا وهناك يبقي حالة الخوف والقلق على أموال الضمان مستمرة، خصوصا وأن تركة الأردنيين من تعامل الحكومات المتعاقبة مع مشاريع الضمان لم تكن ناصعة أبدا.

 

ولا يستوي الإصلاح الذي تتحدث عنه حكومة البخيت إلا إذا كفت يد المسؤولين عن أموال الناس، وقدمت لهم ضمانات تطمئنهم على "تحويشة" عمرهم التي تضمن المستقبل، خصوصا وأن هذه المحفظة بحاجة للرعاية الرسمية التي تكفل ديمومتها ونموها وازدهارها، وليس العكس.

 

فلم يعد مقبولا أن تكون مدخرات الأردنيين هي السبيل لحل مشاكل مالية لشركات تعثرت نتيجة سياستها المالية الخاطئة، وغياب الحاكمية عن إدارتها التي أفلست وتعثرت نتيجة غياب الشفافية عنها.

 

وبات لزاما على الحكومة أن تقدم الدعم لهذه المحفظة بدلا من استنزافها، فهي الأولى بمختلف أنواع الدعم التي تقدم للقطاع الخاص، وهي الأهم لناحية الأمن الاجتماعي والاقتصادي، إذ إن أي تجاوزات على محفظة الناس وأموالهم مقلقة كون الاعتداء على أموال الضمان يجعل جميع سيناريوهات ردود الأفعال مفتوحة ومن دون محددات.

 

ومن أشكال الدعم المتوقعة والمنتظرة من الحكومة سن تشريع يضمن حصول الضمان على حصة محددة من المشاريع الحكومية الكبرى التي يرغب الضمان بالدخول فيها، من دون الدخول في منافسة مع شركات القطاع الخاص سواء المحلية أم الأجنبية.

 

صندوق استثمار أموال الضمان بانتظار رئيس جديد يدير أمواله، والشخصية التي سترأس الصندوق إما أن تكون مثار جدل ومثيرة للهواجس والقلق، وإما أن تعطي الشعور بالراحة والاطمئنان على أن قرارات الصندوق الاستثمارية لن تخضع لأي ضغوطات، بل تكون نابعة من الحرص عليها والسعي لتنميتها.

 

أموال الضمان أمانة في عنق الحكومة، والحفاظ عليها حماية لأمن المستقبل والأجيال القادمة فاحرصوا على صونها.