يا لعيب يا خريب


لم تكن تسكعاتنا في الحارات تخبأ شيئا بقدر ما كانت تنظر أشياء ، وقتها كنا مشبعين بالبراءة ومثقلين بالصفاء والنقاء ومحملين بالفرح.
وقتها كانت حركاتنا بالرغم من أنها هوجاء إلا أنها كانت على السبحانية لا قصد من ورائها ولا من أمامها ولا يمكن لها أن تحتمل تأويلا يخرج عن الطفولة الممزوجة بالسذاجة وبعض رشات من ملح اللامبالاة.
ضحكاتنا وقتها لم تكن تحتاج لجواز سفر أو إذن مرور ، فالأعماق كانت على الرغم من عمقها قريبة من شفاهنا المسطحة وخدودنا التي أنهكها القشب والحزاز.
كنا نتنقل بين الحارات بحثا عن لعبة سبع حجار هنا أو هناك تنسينا الملل ، أو لعبة "طماية" تخفف علينا الزهق ، ويا حبذا لو عثرنا على لعبة "فطبول" عندها سيرتوي ظمأ صبرنا ذلك النهار لحد الثمالة.
وقتها كان شعارنا هو شعار " يا لعيب يا خريب " وذلك من باب فرض الذات وإجبار الآخرين على قبول إشراكنا "خاوة" في اللعبة ، ومن باب أن لا نترك لهم خيارا للرفض أو المناكفة والمكابرة.
كبرنا وبتنا نعلم علم اليقين بان ذلك الزمن الجميل قد ولى ، فاللعبة أصبحت ديجيتل والبلاستيشن بات سيد الموقف ، والضحكة صارت تحتاج إلى تأشيرة ، والتسكع قضت عليه النوادي والمقاهي المغلقة.
مع هذا استغرب من البعض ... ما زال يتعامل مع الدولة في فرض نفسه بنفس تعاملنا الطفولي السابق " يا لعيب يا خريب " .
الفرق بين زمننا وزمنهم ... لم تكن لدينا وقتها فواتير .... أما هم فلديهم فواتير نحن من سيحاسب عليها من رصيد أملنا الضائع وحلمنا المفقود وصبرنا المكسور.

المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com