عودة متقاعد المبكر للعمل بين الحقيقة والخيال

عودة متقاعد المبكر للعمل بين الحقيقة والخيال

هناك من يتفاخر بقانون الضمان الإجتماعي رقم (1) لسنة 2014 ويعتبره إنجازاً عظيماً كونه حقق مكتسبات للمتقاعد بشكل عام وللمتقاعد المبكر بشكل خاص ومنها السماح للمتقاعد المبكر بالعودة إلى العمل والجمع ما بين نسبة من راتبه التقاعدي وأجره من العمل الجديد المشمول بالضمان الإجتماعي مقارنة مع القوانين السابقة التي تسمح بالعودة للعمل مقابل إيقاف صرف راتب التقاعد المبكر بالكامل.

يعتقد البعض بأن هذه الإضافة على القانون الأخير ستفتح لهم طاقات الفرج من خلال تحسين دخلهم لتلبية متطلبات ومستلزمات الحياة الضرورية، ولكن من يقرأ القانون بموضوعية وحيادية يجد أن القانون الجديد لا زال يعاقب متقاعد المبكر من خلال استمرارية منعه من العودة إلى العمل والجمع ما بين راتبه التقاعدي وأجره من العمل الجديد حتى وإن كانت المواد المعنية بهذا الموضوع تشير بالظاهر عكس ذلك.

المتقاعد المبكر لم يخالف أو يتحايل على القانون عندما تقدم بطلب تخصيص راتب تقاعدي مبكر له، فالقانون وضع عدة شروط لمن يرغب بالتقاعد، وبالتالي يكون المتقاعد قد حقق الشروط المطلوبة للتقاعد بعد أن التزم لسنوات طويلة في تسديد الإشتراكات الشهرية المطلوبة.

السواد الأعظم من متقاعدي المبكر لم يقدموا طلبات تخصيص راتب التقاعد برضاهم بل كانوا مجبرين على ذلك لتأمين دخل شهري ثابت لمقابلة التزامات وطلبات أسرهم بعد أن تم الإستغناء عن خدماتهم من خلال إعادة الهيكلة بالقطاعين العام والخاص والفصل التعسفي نتيجة الخصخصة وبسبب ضعف التشريعات والقوانين التي لا توفر الحماية الحقيقية والأمان الوظيفي للعامل حتى بلوغه سن الشيخوخة ومنها قانون العمل الذي يعطي الحق لصاحب العمل بفصل العامل بحجة الهيكلة وبالفصل التعسفي مقابل تعويض مالي فيفقد العامل دخله الشهري ويصبح أحد أعضاء قائمة العاطلين عن العمل.

تشير المادة (85/د/1) من قانون الضمان الإجتماعي رقم (1) لسنة 2014 إلى الشروط الواجب توفرها كي يحق لصاحب راتب التقاعد المبكر الأردني الجمع بين راتبه التقاعدي وأجره من أي عمل مشمول بأحكام هذا القانون وهي كما يلي:
أ- أن يكون قد انقطع عن العمل لمدة لا تقل عن (24) شهراً من تاريخ استحقاقه راتب التقاعد المبكر.
ب- أن لا يعود للعمل في أي من المنشآت التي كان يعمل بها خلال الستة والثلاثين اشتراكاً الأخيرة السابقة على استحقاقه راتب التقاعد المبكر.
ج- أن لا يعود المؤمن عليه الذي تم تخصيص راتب التقاعد المبكر له بموجب أحكام الفقرة (ج) من المادة (64) من هذا القانون إلى العمل في مهنة خطرة.
د- أن يعود للشمول بأحكام قانون الضمان الإجتماعي في حال عودته للعمل.

بالتأكيد هذه الشروط مجحفة بحق متقاعد المبكر وتمنعه من العودة للعمل ولعدة أسباب منها:

1- هبوط مستوى الرغبة بالعودة إلى العمل مجدداً عند المتقاعد بعد انقطاعه عن سوق العمل لمدة سنتين.
2- المتقاعد المبكر هو كل من أكمل من عمره 45 سنة ولغاية 59 سنة، فكيف لمن تقاعد بعمر 50 سنة أو 55سنة أن ينتظر سنتين حتى يتمكن من العودة إلى العمل؟.
3- عدم توفر فرص عمل للمتقاعد إلا في حالات نادرة جداً ولا يمكن تعميمها على جميع المتقاعدين.
4- البطالة المتزايدة لعدم توفر فرص عمل بشكل عام، فأين هي الفرص المتاحة لجميع المتقاعدين للعودة إلى العمل؟.
5- تدني مستوى الأجور بشكل عام، حيث تشير إحصائيات الضمان الإجتماعي لعام 2012 بأن نسبة المؤمن عليهم الذين يتقاضون أجوراً شهرية أقل من 500 دينار بلغت 80% تقريباً من إجمالي عدد المؤمن عليهم.
6- صافي الدخل من راتب التقاعد والأجر من العمل الجديد غير مجد وغير مشجع للعودة إلى العمل.

وما يمكن إضافته لإثبات الظلم الواقع على المتقاعد المبكر هو فرض عقوبة جديدة عليه بما نصت عليه الفقرة (ز) من نفس المادة بعدم إضافة مدة اشتراكه اللاحقة إلى مدة اشتراكه السابقة إلا عند إكماله سن الستين للذكر أو سن الخامسة والخمسين للأنثى أو في حال حصول الوفاة، وأيضاً ما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة (89) والتي ستحرم المتقاعد المبكر من مبلغ 20 دينار والذي يمثل 50% من الزيادة المقطوعة لكل متقاعد في حال عودته للعمل مجدداً.

ملخص الموضوع، كل متقاعد مبكر يفكر بالعودة إلى العمل إذا توفرت له الفرصة سيخسر نسبة من راتبه التقاعدي تصل إلى 55% بالإضافة إلى نسبة الخصم السابقة (18% أو 20%)، ويضاف إليها خسارة فقدانه مبلغ 20 دينار بدل 50% من الزيادة المقطوعة والبالغة 40 دينار.

متقاعد راتبه أقل من 300 دينار ومن ضمن الفئة العمرية الأولى (47-50)، سيخسر منه ما نسبته 47% بالإجمالي، أي ما يعادل مبلغ 140 دينار تقريباً، لو عمل مجدداُ براتب 200 دينار، وبعد خصم 30-35 دينار اشتراك بالضمان، فيكون صافي الزيادة بحدود 25-30 دينار شهرياً، أي أن مجموع صافي راتب التقاعد والأجر من العمل ما بين 325-330 دينار، فهل صافي الزيادة كافية لتغطية مواصلاته للعمل ومصروفه الشخصي؟!

متقاعد راتبه 500 دينار ومن ضمن الفئة العمرية الأولى (47-50)، سيخسر منه ما نسبته 54% بالإجمالي، أي ما يعادل مبلغ 270 دينار تقريباً، لو عمل مجدداُ براتب 300 دينار، وبعد خصم 45-50 دينار اشتراك بالضمان، فسوف يخسر مبلغ 15-20 دينار إضافي من راتبه التقاعدي شهرياً، أي أن مجموع صافي راتب التقاعد والأجر من العمل ما بين 480-485 دينار، عدا عن مواصلاته للعمل ومصروفه الشخصي. هل تعتقدوا بأنه سيسعى للبحث عن عمل؟!

الخلاصة أن القانون الجديد لا زال يعاقب المتقاعد المبكر.