احترام المستثمرين قبل الإعفاءات...

يعتقد البعض أن الحوافز الضريبية هي المحرك الرئيس لتشجيع الاستثمارات المحلية واستقطاب المستثمرين العرب والأجانب لإقامة مشاريع جديدة تعود بالنفع عليهم وعلى الاقتصاد الوطني، بينما تؤكد أغلبية المراقبين والمحللين أن المحرك الرئيس لتشجيع الاستثمارات يكمن باحترام المستثمرين اولا، والالتزام بالتعاقدات التي ابرمت معهم ثانيا، والاستقرار الايجابي لبيئة الاستثمار ثالثا، وربما رابعا وأخيرا تقديم الحوافز الضريبية والإعفاءات الجمركية.
فالمستثمر قادر على تحمّل الرسوم الجمركية والضريبية ويدرجها في دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية لمشاريعه، لكن المتغيرات التي لا يستطيع تضمينها لهذه الدراسات والتنبؤ بها هي مسألة عدم الاحترام والتجاوز على حقوقه، والتنصل من التعاقدات السابقة، كأن تتم اعادة النظر بسعر الارض التي خصصت له مقابل سعر معلوم ومتفق عليه وسدد قبل سنوات، وبعد اقامة المباني تطالبه الجهة المعنية بدفع قيمة اعلى للارض الذي خصصت له ودفع ثمنها تحت طائلة عدم اجازة المشروع، عندها يقع المستثمر بين ( حيص وبيص) ويعيد النظر بمشروعه، وامكانية الخروج منه او تعطيله، او المضى قدما في مشروعه ويتحين الفرصة للخروج من هذا المشروع والارتحال الى مكان آخر.
أصعب موقف قد يواجهه المستثمر -وإلى حد ما المراقب- الاستماع لمسؤول بغض النظر عن موقعه يتذمر من كسل وترهل الادارة الحكومية وتسببها بتعطيل المعاملات، ويقفز فورا الى الذهن ...ونحن نتضامن مع المسؤول في تذمره، من سيقوم بتصويب الموقف ويحاسب هذا و ذاك؟، فالمتعارف عليه ان يلجأ المستثمر والمواطن الى الحكومة لإنصافه، وليس العكس، إذ من غير الممكن و المنطقي أن يصوب الأمر المواطن او المستثمر...وإذا ما استمر هذا النمط من التذمر للمسؤول فإننا نواجه هرما يقف على رأسه وليس العكس.
خلال السنوات الماضية وتحديدا مع انفجار الأزمة المالية العالمية وبعدها ما يسمى بـ الربيع العربي، وجدنا أنفسنا امام نهج رسمي عام يلقي باللوم على المستثمرين..يجرم وتتم ملاحقته قبل الاستماع لوجهة نظره، وافضى هذا النهج الى اضعاف عزيمة المستثمرين للاستثمار في المملكة، بينما كان المحللون الاقتصاديون والماليون يعتقدون ان الاقتصاد الاردني سيشهد استقطاب استثمارات عربية واجنبية في كافة القطاعات، إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق، وخسرنا فرصة ذهبية كان من الممكن ان ترفع وتائر التنمية الى مستويات عالية، تمهد الطريق امام تحقيق نمو تعود ثماره على المواطنين.
ما تقدم هو حصيلة للقاءات تمت مع مستثمرين أردنيين وعرب، كانوا -وما زالوا- يرغبون في الاستثمار في الأردن إلا أنهم مترددون بعد تجارب مريرة لهم، وأجمعوا أن القوانين والتشريعات سهلة في البداية، ثم تتحول الى عوائق ومماطلة وهدر للوقت والمال، بينما نجد أن دولا عديدة عربية واجنبية تقدّم التسهيلات لجذب الاستثمارات نجحت معظمها...الأردن لديه مزايا كبيرة علينا عدم الاستفادة منها.