برنامج الحكومة الالكترونية الى أين؟



من المعايير العالمية التي يؤخذ بها للحكم على مستوى فاعلية الأجهزة الحكومية وكفايتها، مدى قدرتها على تقديم الخدمة الأمثل للمواطنين بأسرع وقت وأقل كلفة وجهد يتكبدهما المواطن، وهو ما أكد عليه جلالة الملك في أكثر من مناسبة، وهو أيضا ما تسعى جائزة الملك عبد الله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية إلى تجذيره في الجهاز الحكومي كله. وتعتبر برامج الحكومة الالكترونية - واليوم بدأت في الدول المجاورة مبادرات الحكومة الذكية، وهي المرحلة المتقدمة على مرحلة الحكومة الالكترونية – من أهم ممكّنات الوصول إلى مرحلة التميز في تقديم الخدمة المثلى لمتلقي الخدمة. وتشير المعلومات والارقام إلى أن الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ عام 2002 وحتى اليوم قد أنفقت مئات الملايين من الدنانير على الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، وتطوير بنيتها التحتية، وعلى برنامج الحكومة الالكترونية، وأطلقت الكثير الكثير من التصريحات والوعود بأن يعمل هذا البرنامج على تسهيل تقديم الخدمات الحكومية إلى متلقي الخدمة وتحسينها. ورغم ذلك، وبعد مرور ما يزيد على ثلاثة عشر عاما على إطلاق هذا البرنامج، فإن المواطن الأردني ما يزال بانتظار أن تصبح هذه الوعود حقيقة على أرض الواقع.
تتمثل الحكومة الإلكترونية، وباختصار، في استخدام تكنولوجيا المعلومات، وشبكة الإنترنت - على وجه الخصوص - لتقديم المعلومات والخدمات الحكومية إلى المواطنين بطريقة جديدة، وإشراكهم في العملية الديمقراطية وصنع القرار، وبشكل تتحقق معه منفعة المواطن، وكفاية التكلفة. وفي العادة، يمكن استخدام الحكومة والتعاملات الالكترونية في مجالات عديدة مثل: تخطيط المدن وإدارة الخدمات الاجتماعية، وإدارة البنية التحتية المادية، وإدارة الطوارئ، والسجلات العامة والمحفوظات، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والرعاية الصحية، والتعليم، وتقييم الممتلكات، بالاضافة الى جميع الخدمات الأخرى التي يحتاجها المواطنون، وبمستوى عال من الجودة. كما يتوقع من برامج الحكومة الإلكترونية، عادة، أن تعمل على تحسين: نوعية الخدمات المقدمة للمواطن، والكفاية الداخلية، وتنفيذ القانون، والتعليم والمعلومات والترويج والتوعية، والسلامة والأمن، وخدمات الرعاية الصحية والإدارة، وإشراك المواطنين في العملية الديمقراطية.
عند تنفيذ أي برنامج للحكومة الالكترونية، فإن هذا البرنامج يمر في أربع مراحل هي:
1. مرحلة الوجود على شبكة الإنترنت، وتعنى هذه المرحلة بنشر المعلومات الأساسية.
2. مرحلة التفاعل، وتعنى بتقديم المعلومات، وتمكين المستخدِم من الدخول الى محركات البحث، وتوفير الاستمارات والنماذج وتسهيل طباعتها، والتواصل مع الموظفين عبر البريد الإلكتروني، وتقديم الوصلات إلى مواقع أخرى.
3. مرحلة المعاملات، وتعنى بتنفيذ المعاملات الكترونيا بدءا باستخدام النماذج الإلكترونية وانتهاء بالتنفيذ الكامل للخدمات، وعمليات المراسلة، بما في ذلك المناولة واستلام المنتج النهائي، والتوقيعات الإلكترونية والدفع إذا لزم الأمر.
4. مرحلة التحول، وتمثل الهدف طويل الأجل للحكومة الإلكترونية، وهو امكانية تقديم خدمات متكاملة وفق مبدأ "وقفة واحدة في متجر واحد" للحصول على العديد من العمليات من خلال الانترنت، ودون الحاجة الى وجود العملاء شخصيا في الدائرة الحكومية، مما يجعل العمليات الإدارية أكثر شفافية، وتزيد رضا العملاء.
لقد بدأت الحكومة الأردنية بتنفيذ برنامج الحكومة الإلكترونية في عام 2002 . غير أنه يمكن للمراقب أن يسجل الملاحظات التالية:
1- ان الواقع الحالي لبرنامج الحكومة الالكترونية في الأردن يقتصر فقط على توفير المعلومات الأساسية التي يحتاجها المواطن، والمتعلقة بالوثائق التي يتوجب عليه اصطحابها معه إلى الدوائر الحكومية التي يقوم بمراجعتها للحصول على خدمة معينة مثل تجديد جواز السفر أو رخصة قيادة السيارة، أو ما يتعلق بالضرائب وما يشبه ذلك. وهذا يعني أن مشروع الحكومة الالكترونية الأردنية ما يزال، بعد ثلاث عشرة سنة من إطلاقه، في المستوى 2 (التفاعل) ناهيك عن عدم وجود التكامل بين الوظائف الحكومية المختلفة. ومن المتعارف عليه عند تطبيق برنامج الحكومة الإلكترونية، في أي دولة في العالم، أن تحقيق المستوى 2 المشار إليه هو أمر سهل نسبيا كونه يتعلق فقط بتوفير المعلومات ونماذج الطلبات وعناوين البريد الإلكتروني على الإنترنت، ولا ينطوي على أي جهد كبير أو أي تغيير ملموس في العمليات القائمة. ومن المؤكد أن التطوير الحقيقي يجب ان يتم من خلال تنفيذ التعاملات وتقديم الخدمات إلكترونيا من خلال حوسبة وربط أنظمة المؤسسات.
2- باعتبار أن مشروع الحكومة الإلكترونية الأردنية قد بدأ عام 2002، فان التقدم الذي تم تحقيقه يعتبر محدودا جدا ويكاد لا يذكر، وهو تقدم يتماشى تماما مع استراتيجيات محدودة وضيقة فيما يتعلق بإطلاق الخدمات الإلكترونية. ويبدو أن نهج الحكومة الأردنية في تنفيذ هذا المشروع الهام يتبع مبدأ "حل سريع - مكاسب سريعة" وهو مبدأ يركز على البناء الالكتروني السريع الموازي للإدارة البيروقراطية التقليدية.
3- من المؤكد أنه إذا لم يحدث أي تغيير في النهج المتبع حاليا لتنفيذ مبادرة الحكومة الإلكترونية الأردنية، فإن هذا المشروع سوف يعتبر فاشلا؛ لأن الاستمرار في تطوير تطبيقات الويب التي تعمل كمجرد واجهة للتغطية على الفوضى الداخلية ليس الأسلوب الصحيح لحل المشكلة، وإنما يجب الانتباه إلى العمليات الداخلية للمؤسسات الحكومية، وبنفس القدر من الاهتمام بالواجهة الأمامية. وهنا أؤكد ضرورة الاهتمام بهذين المجالين في وقت واحد.
4- إن خدمات الحكومة الإلكترونية الأردنية لا تزال في مراحلها الأولى وبعيدة عن كونها خدمات مصممة لتلبية احتياجات المواطنين والعملاء الكترونيا . فعلى سبيل المثال، يعتبر توافر موقع الحكومة الإلكترونية وتقديم الخدمة المثلى للمواطن خارج ساعات العمل الحكومية على مدار 24 ساعة في اليوم، و 7 أيام في الأسبوع أحد معايير النجاح الرئيسية، في حين أنني أثناء كتابتي لهذا المقال لم اتمكن من الدخول إلى موقع الحكومة الإلكترونية عدة مرات خلال ساعات العمل! .
5- فيما يتعلق بنظام الدفع الألكتروني Payment- gateway فإن الملاحظ أن عشر مؤسسات حكومية فقط من أصل (110) مائة وعشر مؤسسات هي التي تأخذ بنظام الدفع الألكتروني، ولا نعلم على وجه الدقة مدى فاعلية هذا النظام.
6- يلاحظ حتى الآن عدم وجود حملات توعية فاعلة للمواطنين، بالإضافة إلى عدم توافر الأكشاك الخاصة بتفعيل الحكومة الالكترونية في مختلف مناطق المملكة للتسهيل على المواطنين للحصول على خدمات الحكومة الالكترونية، وبخاصة لأولئك الذين لا يمكنهم التعامل مع الحكومة الالكترونية بسبب القيود المالية أو محدودية المهارات التقنية.
7- إن انقضاء ثلاث عشرة سنة من برنامج الحكومة الالكترونية منذ إطلاقه، وهذا الانفاق المالي الضخم عليه، وما نزال في منتصف الطريق، كل ذلك يدفع بنا إلى الحث على القيام بمراجعة شاملة لهذا البرنامج، والتساؤل حول الجدوى التي تحققت، وأين أخفقنا وأين نجحنا، وكذلك معرفة رؤيا الحكومة وخطتها فيما يتعلق بدفع هذا المشروع إلى الأمام، لضمان تزويد المواطنين بالخدمات الحكومية عبر الإنترنت بكفاية وفاعلية، وكيف يمكن للحكومة التغلب على التحدي المتمثل في تأمين التكامل في المهام والخدمات بين مختلف الإدارات الحكومية، ولا يصح، لا بل من غير المفيد، أن يبقى هذا المشروع قيد المجهول.