مدرسة مسح العقول
كان الإخوان من قبل تحت الأرض، فلم ير منهم الناس إلا ما يريد الإخوان إظهاره، أما حقيقتهم فلم تكن تحت بصر الناس، وحين وصل الإخوان للحكم ظهروا وعرفهم الناس، وبعد أن سقطوا من فوق كرسي الحكم حين خلعهم الشعب ظهرت صورة أخرى لهم ولشبابهم، وكانت هذه الصورة تثير العجب والحنق في آن واحد، إذ إننا رأينا الشخصية الإخوانية ضعيفة مضطربة السلوك، منقادة، ليس لديها أية قدرة على الإبداع والتفكير الحر، هذا التفكير المضمحل، وتلك الشخصية المضطربة نتجت عن لعبة مارستها قيادة الجماعة على أفرادها، هي لعبة "إخضاع الشباب" تحت مُسمى التربية، فتعطي للشباب الجدد في الجماعة أوامر غير منطقية أو غير مبررة أو غير معلومة السبب، وعلى الشاب الراغب في التقرب إلى ربه أن يسمع ويطيع بلا مناقشة أو تفكير، حتى تتحول الطاعة عنده من العبادة إلى العادة، فإن فكر أو اعترض "انطرد" لذلك ظللنا ردحا من الزمن نتهكم على أوامرهم الكهنوتية ونقول "وافق أو نافق أو فارق"، فالحق أن هناك من ينافق لتعلو مرتبته في التنظيم، وهناك من ظل يبيع قناعاته ليصل إلى طموحاته، ولم يصل!! ومرت الأحداث به ودهسته فأصبح صغيرا تذروه الرياح التنظيمية. ولكي تكون حلقة الإخضاع محكمة يجب أن يتعلم الأخ الجديد أنه كأخ صفر بدون الجماعة، هو لا شيء بغير الإخوان، فالجماعة كما يقولون لهم في دروس الإخضاع "بكم أو بغيركم" وكأنها الإسلام ذاته! ثم يخلطون في دروسهم الإسلام بالجماعة فيقولون لهولاء المساكين ضعاف الشخصية "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، ويحذرونهم في شتى الدروس من الانفلات من قرار الجماعة "فكدر الجماعة خير من صفو الفرد"، وتظل عمليات التربية القائمة على الإرهاب والترهيب مصاحبة للفرد داخل الجماعة، وقسم التربية يقوم بعمله على خير قيام، قسم التربية هذا هو المستشفى الذي يتم من خلاله غسل مخ الافراد خاصة المستجدين منهم، لذلك فهو أخطر الأقسام، وقد كان الأخ محمد بديع مرشد الجماعة هو مسؤول هذا القسم لسنوات، ومن أساليب هذا القسم تدريس كتاب "المتساقطون على طريق الدعوة" الذي يضع في ذهن الأخ المسكين أن الخروج على قرار الجماعة هو خروج عن الإسلام! وويح من يفعل ذلك، وفي المعسكرات والرحلات يمارس المسؤولون على الشباب أساليب "مسح الشخصية" كافة دون أن يشعر الأخ بالطبع أنه يخضع لعملية مسح، فهم يضعون في خلده أنهم يقربونه إلى الله، وأن الأخ يجب أن يلين تحت يد أخيه ويسمع كلام المربي، والأخ بين يدي مسؤوله يجب أن يكون كالميت بين يدي من يغسله، وتسري الروح الجمعية بينهم، فالتربية الاستعبادية تكون في جماعة وكأنها صلاة، وعلى مهل يعتاد الأخ على السجن في ذلك التنظيم ذي الآليات العسكرية، فيصبح متطوعا في جيش الإخوان ويظل عمره صف ضابط تحت السلاح لا يترقى إلا بالنفاق والفلتات، لا بالقدرات والملكات، منطق الرتبة العسكرية هذا يظل أحيانا مصاحبا للأخ حتى ولو خرج من الجماعة، فهو لا يعرف الإخوة في الله ولكنه يعرف الأخوة في التنظيم، وفي داخل التنظيم يعيش الجميع بالطريقة العسكرية ذاتها التي ترتب الأفراد على رتب تصاعدية مختلفة، فهناك القائمقام وهناك النائمقام، القائمقام هو خيرت، بديع، محمود عزت، رشاد البيومي، والنائمقام هم الرتب الدنيا التي تنام في خزائن الكبار في انتظار إشارة "استعداد ابتدي".
وكان من تجربتي حينما كنت في قلب الإخوان أن رأيت أقزاما يقفون فوق كتف الجماعة ليراهم الناس، لذلك فإن الذين فكروا لم يلبثوا بالجماعة إلا عشية أو ضحاها، ولكن اللافت للنظر أن معظم من خرج من الجماعة لم يخرج بسبب أفكارها أو لمراجعته لنفسه، ولكن خرج بسبب اختلاف حركي أو تنظيمي أو سياسي، ولكن معظمهم لا يزالون قابعين في دائرة حسن البنا الصغيرة دون أن يخرجوا إلى رحابة الإسلام وسعته، ويبدو أن شخصية حسن البنا كانت آسرة لدرجة أن معظم من خرج خاف أن ينتقده أو يقترب من فكره تصحيحا أو تصويبا أو حتى نقدا أو هدما وكأنه إن فعل يكون قد هدم الإسلام، ألم ينتقد البنا نبي الإخوان المقدس! ولكنني أكاد أرى عن بعد تحولات فكرية، هذه التحولات آتية لا ريب، فقد بدأت الثقوب في بناء الإخوان، وهذه الثقوب ستتسع وتتسع إلى أن ينفجر سد هذا التنظيم الحديدي المغلق.
* كاتب مصري