سفير بريطانيا المحترم

بيتر ميليت؛ سفير انجلترا، التي كانت توصف سابقا بأنها الإمبراطورية الكبيرة التي لا تغيب عنها الشمس، أصبح شخصية عامة في الأردن، يعرفه الأردنيون، ويتابعون تصريحاته ودعاباته عبر صفحته على تويتر، وتقوم مواقع الكترونية اخبارية بصياغة أخبار عن نشاطاته وتعليقاته، وكنت قرأت عدة أخبار وتعليقات سابقا، حول تصريحاته واهتمامه بالبيئة وبالمنسف الأردني، ويتضح من خلال تغريدات ميليت عبر تويتر بأنه شخص يحب الحياة الاجتماعية الأردنية، ويهتم بها، ويقدم أفكاره الشخصية عنها وعن قضايا ذات علاقة بيوميات الأردنيين..
تعامل وتفاعل إيجابي يقوم به ميليت، باعتباره سفيرا لدولة عظمى، لها تاريخها الجدلي في منطقتنا، وهو الجدل الذي يمتد حتى يومنا هذا، من خلال مواقفها من قضايا المنطقة، خصوصا المتعلقة بفلسطين المحتلة واسرائيل، وفي سابقة لم تحدث من قبل أي سفير يمثل أي دولة لدى الأردن، أصبح ميليت شخصية محبوبة، بسبب نشاطاته وتعليقاته وآرائه الشخصية، وهذه ديبلوماسية فريدة، تسهم الى حد بعيد في بناء حالة من الألفة بين مواطني الدولة المضيفة والدولة التي يمثلها سفير هذه مواصفاته، فمشاركته الناس العاديين وغيرهم في مناسباتهم، وحديثه الموصول عن زياراته الى مناطق مختلفة من الأردن، وتناوله للمنسف وغيره من المأكولات الشعبية الأردنية، ثم تحدثه عن بعض المظاهر البيئية والصحية غير المقبولة، يشعر المتابع بأن السفير يتعامل على سجيته الطيبة، ليحظى بالقبول من الأردنيين الطيبين، الذين يرحبون بالضيوف ويحترمون آرائهم، ويظهرون كل الود الى من يشاركهم في يومياتهم، باعتباره إنسانا محترما، يجيد الفصل بين عمله وبين نشاطاته الشخصية العادية واهتماماته البعيدة عن وظيفته..
حين أبدي ارتياحا لما يقوم به سفير بريطانيا مع الأردنيين، فهذا لا يعني بأنني أطلب من سفرائنا تقليده لدى الدول التي يمثلون الأردن فيها، وخصوصا الدول الأروروبية، لأن تلك الدول لا تتمتع بنسيج اجتماعي مشابه لما هو عليه في الأردن، ولا أعتقد بأن سفيرا أردنيا يدخل عن طريق الخطأ الى حفلة عرس مثلا، يكون موضع ترحيب، حتى رئيس تلك الدولة لو دخل الى حفلة غير مدعو إليها، ربما لن يجد قبولا ولا ترحيبا، وهذه قصة تعبرعن ثقافة الناس الاجتماعية، ولا يمكن اعتبارها ثقافة سيئة، لأنها لا بد نابعة عن موروث اجتماعي وسياسي واقتصادي خاص بتلك الدول، ثم إن «الطبخات» في الدول الأجنبية لا تشبه «طبخاتنا»، وأتوقع لو قام سفير أردني باقتحام مناسبة في أمريكا مثلا أو فرنسا، وتم قبول اعتذاره عن الخطا في هذا الولوج الغريب لخصوصيات الناس، فإنه بلا شك لن يعتب على أحد من «المعازيب» لو لم يدعه لتناول شراب أو طعام تم تحضيره بشكل خاص لكل مدعو على المناسبة..
ما يقوم به سفير بريطانيا في الأردن يستدعي الانتباه، ويسترعي الاهتمام من قبل البريطانيين والأردنيين، فالرجل يمثل دولة كبيرة لها وزنها وتاريخها العريق على الكوكب، وحين يلقى ميليت هذا الترحيب في بيوت الأردنيين، فهذه اشارة واضحة إلى أن الأردنيين يرحبون بإنسانية بريطانيا، تلك التي يعبر عنها سفيرها الذي يعبر دوما عن حبه للأردنيين وقيمهم الاجتماعية، ولعل هذا الحب والقبول لميليت من قبل الأردنيين مؤشر ملهم لبريطانيا ولكل الدول الكبرى، بأن تتعامل مع الأردن بوحي من هذا القبول الأردني للآخر، رغم التاريخ الجدلي الذي يربط تلك الدول في المنطقة وقضاياها..
أتمنى على ميليت أن «يعطينا يوم»، ولا غضاضة لو أحضر ملعقته معه، فالمنسف الأردني قابل للأكل بعدة طرق..

ibqaisi@gmail.com