الشعب يريد إسقاط النظام...بقلم: د. آية عبد الله الأسمر

 


 

بعد أن نجحت ثورة الشعب المصري العظيم في إسقاط فرعون القرن العشرين ليظهر الحق ويزهق الباطل فالباطل كان وسيظل دوما زهوقا، خرج الشعب اليمني صارخا في وجه طاغية آخر يبدو أن دوره في السقوط قد حان، مرددا: "الشعب يريد إسقاط النظام".

أعتقد أن هذا الشعار الذي بدأ يجوب ساحات الخواطر الشعبية العربية حتى قبل أن ينطلق من ياسمين تونس مرورا بميدان تحرير مصر، وصولا إلى وهران وساحة الشهداء وباب الواد في العاصمة الجزائرية وممتدا إلى كل من تعز وصنعاء في اليمن، أصبح اليوم شعارا يرفعه وينطق به كل مظلوم أمام ظالمه وكل مقموع أمام قامعه، لدرجة أن أحد مذيعي قناة رياضية تندر قائلا: "الشعب يريد إسقاط الاتحاد"، وكان يعني بذلك اتحاد كرة القدم في مكان ما...

في رام الله في الضفة الغربية وفي غزة هاشم علا صوت الحناجر الفلسطينية التي جرّحها القهر ومزقتها الحسرة: "الشعب يريد إنهاء الانقسام"و "الشعب يريد إنهاء الاحتلال"، معبرين عن خيبة أملهم العميقة والتي تحولت بمرور الوقت وطوله إلى غضب عارم وسخط جامح على قياداتهم، التي أضاعت مكاسب الانتفاضة والحجر والمقلاع والعمليات الاستشهادية وصواريخ حماس طويلة المدى في فضاء النزاعات الداخلية، وقزّمت قضية عربية بحجم القدس والأقصى إلى صراع على السلطة والمناصب والانتخابات، وكانت قد أسقطت من قبل من حقائب التفاوض التي حزمتها في طريقها إلى أوسلو حق العودة وحقوق اللاجئين وقضايا شائكة من أهمها مسألتي القدس والحدود، ثم اختزلت تلك القيادات القضية الفلسطينية برمتها في مفاوضات السلام مقابل وقف الاستيطان وتجميده، وهكذا تم تجميد كل شيء بما فيه القضية والمقاومة ودماء الشهداء وحيوات أطفال غزة التي اقتلعت من أجسادهم الغضة غدرا في حصار غزة دون أن يتم تجميد الاستيطان.

أعتقد أن الخطوة القادمة لابد وأن تكون "الشعب يريد إسقاط النظام" و"الشعب يريد محاكمة النظام" و" الشعب يريد رأس النظام" و" الشعب يريد إعدام النظام"، ذلك بعد أن تبين للشعب الفلسطيني والعربي أن النظام هنا ممثلا بعصابة السلطة وعلى رأسها محمود عباس وثلة المجرمين التي ترقص من حوله، والذين لم يكتفوا كغيرهم من الأنظمة الديكتاتورية بنهب ثروات شعوبهم وتكميم أفواههم وتلوين أيامهم الموشحة بالخوف والاستبداد بسواد الفقر والجوع فقط، بل أجهضوا انتفاضتهم ومقاومتهم وتاريخ نضالهم وأسس قضيتهم المحورية، وباعوا الوطن والقضية والقدس والأقصى ودماء الشهداء وسنوات الأسر وأيام البؤس والعذاب، مقابل مناصب وهمية في الكواليس الخلفية للمسرح السياسي وبقشيش يتقاضونه كسماسرة أوطان لا كقيادات وطنية ورموز قيادية.

نعم الشعب الفلسطيني يريد إسقاط النظام...

لقد كان نظام حسني مبارك البائد عقبة عصية في  طريق استرداد الأمة العربية لكرامتها وأراضيها، وما زال النظام في المملكة العربية السعودية يشكل ندبة سوداء قبيحة في وجه الوحدة العربية لما عرف عن هذا النظام منذ أن كان وحتى يومنا هذا كبؤرة خيانة وعمالة متقيحة في قلب الجسد العربي، تهدد وحدته وأمنه واستقراره جراء عبوديتها الملحدة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على حساب قضايا الأمة العربية وشعوبها ومستقبلها، لهذا وذاك ولأسباب داخلية عديدة يعلمها الشعب السعودي أكثر مني فإن "الشعب يريد إسقاط النظام".

عندما بدأت كتابة المقال كنت أنوي فقط أن أتندر بشعار أصبح بين ليلة وضحاها طلقة يطلقها كل متضرر من بين شفتي الغضب في صدر من يؤذيه، إلا أن الجراح العربية الساخنة المتأججة دائما وأبدا أبلغ من أن تندس في فراش البعد تحت أغطية النسيان ولحف التجاهل.

إحدى الصديقات رفعت الشعار ذاته في وجه زوجها المتسلط المدعو حسين قائلة: "الشعب يريد إسقاط هيمنة حسين"!

وإبن صديق لنا أخذ يشكو من معلم مادة الرياضيات ويخبرنا عن احتجاجاته وأصدقائه على المعلم، والتي ترجموها فيما بينهم إلى شعار: "الشعب يريد إسقاط أستاذ الرياضيات"!

حتى طفلاي في المنزل أصبحا يهدداني من سأمهما من القوانين الصارمة المتبعة إزاء ساعات مشاهدة التلفاز، وأنظمة النظافة ولوائح الدراسة مرددين: "الشعب يريد إسقاط النظام"!

يبدو أنه زمن الشعوب وكلمتها وإرادتها وسقوط الأنظمة وعبثها وطغيانها!