عــنـــدما يتـآمــر رأس المــال الأجنبي لنهب الثروات الوطنية

عتبر الثورات الباطنية (بترول، غاز…) احدى أهم ركائز الاقتصاد في عديد الدول و خاصة في المنطقة العربية التي تميزت بهذه الثورات الطبيعية ممّا جعلها محطّ أنظار عديد القوى ومما جعل قطاع الطاقة فيها مخترقا من قبل القوى المتنفذة من الداخل والخارج على حدّ سواء.

فبلادنا تزخر بمثل هذه الثروات لكنّ موضوع الطاقة تحفّه الضبابية والتعتيم، فالمعطيات شحيحة والأرقام متضاربة والاحصائيات غير دقيقة حيث اعتبر البعض أن الجهات الرسمية متكتمة وكثيرا من الأحيان متواطئة مع لصوص رأس المال الأجنبي ممّا يمثّل مصدرا لنهب خيراتنا وثرواتنا.

وحسب بعض خبراء المناجم والطاقة فإن الثروات الطاقية لبلادنا قادرة على النهوض بالاقتصاد وفتح عديد مواطن الشغل علاوة على أنها تغلق الملف المفتوح للزيادة في أسعار المحروقات والتي ستثقل كاهل التونسي.

ها نحن أمام جملة من المتناقضات بحكومة تترك الحل الأمثل المتمثل في فتح ملفات الفساد ووضع حدّ لعمليات النهب المهولة في المجال المذكور والتي تمارسها عصابة من الفاسدين المتآمرين وتلجأ في كل مرة إلى إثقال كاهل المواطن بالزيادة في الأسعار، متحججة في كل مناسبة بالمتغيرات العالمية في سوق النفط و عدم قدرة صندوق الدعم على المزيد من التحمّل.

وهنا يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي ، هل يمكن للمستثمر الأجنبي في أي مجال أو قطاع أن يواصل نشاطه في بلد ضاقت فيه سبل الاستثمار بسبب وضعه الأمني لو لم يجد الربح الكافي الذي يخوّل له التعويض عن التضحيات التي يبذلها؟

نقول هذا لعلمنا بوجود أكثر من خمسين شركة أجنبية مختصة في التنقيب والبحث عن الثروات البترولية والغاز الطبيعي والتي تعمل ببلادنا منذ خمسينيات القرن الماضي ولا تزال، بل عددها يتزايد يوما بعد يوم؟!!

وبالتالي حري بنا التساؤل مرة أخرى: هل حقا نحن كما عبّر عنه أحد الساسة أمام برك عائمة من البترول؟ وإن كان الأمر كذلك لماذا لا نرى آثار هذه النعمة بادية على المجال الاقتصادي و الاجتماعي لبلادنا وأن صحّ ما نسمعه من الخبراء وما تطالعنا به قاعدة بيانات مداخيل عديد الشركات فلصالح من تصبّ كل تلك المداخيل الخيالية المتأتية من تجارة الذهب الأسود؟!

و هنا يطرح السؤال الأخطر: لماذا يغيب دور الحكومة في معالجة هذا الملف الخطير؟

ولمزيد الغوص في هذا الموضوع وكشف اللثام عن معضلة الفساد بالمنظومة الطاقية، أجرينا هذا التحقيق.

السيد الأزهر السمعلي (خبير في المناجم والنفط) :لا بد من تعليق العمل بمجلة المحروقات لانها «مجلة نهب» يقول السيد الأزهر السمعلي أن الإطاحة بالنظام السابق مكنت من رفع الستار وإماطة اللثام عن تفشي الفساد الاداري والمالي الممنهج في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية وجلّ فروعها.ويؤكد محدثنا في الآن ذاته ان هذا الفساد مازال مستشريا في المنظومة الطاقية وان الحكومة الحالية لم تضع حدا للنهب والتفريط في ثرواتنا البترولية وذلك من خلال الوقف الفوري لكل امتيازات الاستغلال التي منحت طيلة حكم المخلوع بطرق مشبوهة وايضا مراجعة العقود البترولية وتعليق العمل بمجلة المحروقات او بالاحرى «مجلة النهب» ـ حسب قوله ـ والتي وضعها أزلام النظام البائد على مقاس الشركات البترولية الاحتكارية الاستنزافية العالمية والقوى الاقليمية في الخارج وايضا على مقاس العائلات المافيوزية بالداخل.ويضيف خبير المناجم والنفط انه وبعد ما يزيد عن نصف قرن من البحوث والاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز من قبل الشركات البترولية الاجنبية يتضح من خلال خريطةالمجال المنجمي البترولي ان ما يقارب 85 % من مساحة البلاد التونسية مغطاة برخص البحث والاستكشاف وامتيازات الاستغلال تحت سيطرة شركات بترولية عالمية بمختلف جنسياتها يفوق عددها الخمسين شركة، اما عن تزويد السوق المحلية فقد اعتبر مخاطبنا ان مجلة المحروقات لم تعط سوى قسط ضئيل للأسواق الداخلية وذلك طبعا بموجب الفصل 50 منها.ويضيف مخاطبنا ان الفساد في المنظومة الطاقية مستشر بصفة كبيرة جدا ولا يمكن حصره لذلك دعا الى ضرورة فتح ملفات الفساد في هذا القطاع والحد منها، لأن تونس تزخر بثروات بترولية كفيلة بفتح مواطن شغل كبرى تجعل تونس تتقدم اقتصاديا.

السيد الأسعد الذوادي (مستشار جبائي): بعض الشركات الناشطة في المجال استغلت الفساد لمواصلة تجاوزاتهاصرّح السيد الأسعد الذوادي أن بعض الشركات العاملة بقطاع الطاقة سواء أكانت متكونة بالشراكة مع الدولة التونسية أو متكونة من رأس مال أجنبي مائة بالمائةتسعى للتهرب من دفع الضرائب وتحويل العملة الصعبة بواسطة الفوترة الصورية والمضخّمة عن طريق آلية تعرف بآلية أسعار التحويل أي تحويل الأرباح الى الخارج من ذلك تلجأ الشركات الى اكتراء معدات وتجهيزات بقيمة 20 مليون دينار على سبيل المثال في حين أن الثمن الحقيقي للحدمة لا يتجاوز المليون دينار. وأضاف محدثنا أن بعض الشركات تلجأ أيضا وبصفة صورية إلى اكتراء يد عاملة وفي ذلك خرقا للفصل 250 من مجلة الشغل وعادة ما تتم فوترتها بمبالغ خيالية كأن تتم فوترة يوم عمل أحد أشباه الخبراء بما يقارب 20 ألف دينار وللتخفيض من قاعدة الضريبة على الشركات تسعى هذه الشركات الى فوترة خدمات دراسات واستشارات غير حقيقية وغير لازمة للاستغلال.ويقول السيد الذوادي أن بعض الشركات الناشطة في مجال الموارد المنجمية تقوم بتحويل الأرباح و العملة الصعبة بآلية التخفيض في أسعار البيع عند التصدير واعتبر أن هذه الشركات استغلت الفساد المستشري بصفة خطيرة وغير مسبوقة صلب مختلف المصالح الادارية لمواصلة أنشطتها الاجرامية باعتبار أن آلية مراقبة أسعار التحويل من قبل وزارة المالية أو وزارة الصناعة مشلولة.

السيدة فوزية باشا (محامية وخبيرة في المجال القانوني للطاقة): التقرير المالي السنوي لسنة 2011… يفضح الشركة التونسية للأنشطة البترولية

بينت الأستاذة فوزية باشا أن الاطلاع على التقرير المالي السنوي لنشاط المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية لسنة 2011 كفيل لوحده بإبراز نسبة كبيرة من سوء التصرف والفساد المالي والإداري التي تشهدها المؤسسة المذكورة حيث أنّه وحسب التقرير المذكور عرفت سنة 2011 بتراجع النمو الاقتصادي وكثرة الاعتصامات وشهدت أيضا توقف عديد المؤسسات عن أنشطتها وبرغم ذلك بلغت نسبة الأرباح التي سجلتها الشركة التونسية للأنشطة البترولية لفائدة الدولة 378 مليون دينار في حين بلغت 146 مليون دينار سنة 2010 أي بزيادة الثلثين وهو ما يشير الى حجم سوء التصرف والفساد المالي والإداري التي شهدتها سنة 2010 وما سبقها. وفسرت ارتفاع الأرباح لسنة 2011 بعدم قدرة عصابة الفاسدين على مواصلة نهبهم للثروات نظرا للرقابة التي عرفتها المؤسسة المذكورة من قبل بعض العاملين بها.

هذا واعتبرت محدثتنا أنه لا بد من أن تكون المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية شريكا في أي عقد استغلال الا أنه على أرض الواقع نجد أن هذه الشركة منحت عقود استغلال برأس مال أجنبي ٪100 على غرار حقل «ميسكار» وأربعة حقول تستغلها شركة «وين ستار» في حين أن القانون يمنع ذلك.

وتؤكد الأستاذة فوزية باشا أن هناك نهبا لثروات بلادنا وخسائر بالملايين في القطاع الطاقي تنهبها عصابة من الفاسدين لذلك ندعو الى ضرورة فتح ملفات الفساد في المنظومة الطاقية والحد من السرقات المتواصلة وتطهير القطاع وأيضا تكثيف الرقابة على الإنتاج ومصاريف الاستغلال من طرف هيكل مستقل عن إدارة الطاقة وعن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية.

من جهة أخرى اعتبرت محدثتنا أن مجلة المحروقات قد صيغت سنة 2000 خصيصا لتقنين منظومة متكاملة لنهب الثروات الباطنية دون مراقبة فعلية ودون عقوبات جدية تحفظ ثروات الأجيال في المستقبل، وهوما يتجه معه البحث والسعي بصفة جدية الى تنقيح مجلة المحروقات وتغيير القانون بما يتماشى والمصلحة الوطنية العليا وحسب المعايير الدولية التي تكفل حماية بلادنا من التجارب غير القانونية للإستكشاف.

السيد سفيان الرقيقي (رئيس الجمعية التونسية للشفافية في الطاقة والمناجم): لا بد من تمكين الشعب من حق الإطلاع على خصوصية القطاع

أكد السيد سفيان الرقيقي أنّ الجمعية التونسية للشفافية في الطاقة والمناجم تطالب الحكومة بإيلاء قطاع الطاقة والمناجم الذي يعد قطاعا استراتيجيا ما يستحق من عناية والوفاء بتعـــهداتها المـــتعلقة بالالتزام بالـــشفافية وتمكين الشعب من حقّه في الاطلاع على كل ما يتعلق بهذا القطاع.

واعتبر أنّ اتخاذ اجــراءات عاجـــلة لتحيين حوكمة القطاع وشفافيته ونزاهته ومهنيته وتطوير طرق التصرف فيه يمكن أن يغني عن أي زيادة في أسعار المحروقات أو الغاز أو الكهرباء.

وبين محدثنا أن التقرير السنوي لدائرة المحاسبات رقم سبعة وعشرين مهم بسبب ضخامة ما أكده من خروقات وتجاوزات وارتباطها بكل حلقات منظومة الغاز (من إسناد رخص الى الفوترة والرقابة…) وهو مهم أيضا لأنه يكشف لأول مرّة للمواطن التونسي أهمية الرهانات المالية والاستراتيجية المرتبطة بهذا القطاع فهو يقدم عينات عديدة عن خروقات تسببت في خسائر مالية فادحة كما أنه يكشف مسؤولية بعـض المؤسـسات والإدارات ويقـــدم توصـيات مهـــمة لاصلاح منظومة الغاز كإعادة هيكلة القطاع وتعصيره وإجراء حوار وطني جدّي حول الخيارات الاستراتيجية في الطاقة وأيضا انجاز تدقيق شامل لهذا القطاع ووضع خطّة شاملة لإصلاحه علاوة على إعتماد الشفافية وقــــواعد الحوكمة الرشيدة في إدارة هذا القطاع والشروع الفعلي في فتح ملفات الفساد.

السيد رضا مأمون (خبير في مجال المناجم والنفط): وزارة الصناعة ساهمت في تردي وضع الصناعة وغلق مناجم الفسفاط ومعامله

أكد السيد رضا مأمون أن هناك نهب كبير للموارد الطاقية للبلاد وخاصة منها البتــرول وأيـــضا استـغلال فاحــش وسرقة متعمدة من عديد الاطراف المتدخلة في القطاع ساهمت في اغراق البلاد في الديون وخلق عجز طاقي أدى الى ارتهان البلاد الى شركات أجنبية بعقود غير شرعية فيها غبن للدولة التونسية.

واعتبر أن السرقات والنهـــــب تقترفه عصابة فاسدة متمثلة حسب رأيه في عدد من المديرين العامين والمديرين التنفيذيين بالشركة التونسية للأنشطة البترولية منذ عقود والى يومنا هذا وأيضا مديرين بالادارة العامة للطاقة وديوان المناجم وهو ما خلق عجزا في الميزانية وعمق البطالة في البلاد.

هــذا وأبرز أن السياسة الفاشلة لوزارة الصناعة بعد الثورة ساهمت في تردي حالة الصناعة ومن مظاهر ذلك غلق مئات المعامل ومناجم الفسفاط كما تعمقت مظاهر الفساد حيث أمضت الوزارة على اتفاقيتين كان من شأنهما أن يؤديا بالبلاد الى الهاوية وتمت الاتفاقية الأولى مع شركة «تسي جـي جي فيري تاس» لإعطاء المسح للمخــزون الجيولوجي لشركة صغيرة وهمية تعرف باسم «CD:consulting» والعقد الثاني يتمثل في منح اعفاء لشركة «بريتش غاز» بقيمة تفوق 340 مليون دينار في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد وبالرغم من عدم موافقة وزارة المالية ويقول مخاطبنا أنه قد تم إيقاف فاعلية هاتين الإتفاقيتين من قبل المجلس الوطني التــــأسيسي ولكن امكانية اعادة تفعيلهما واردة.

السيد نجيب مراد (نائب رئيس لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد) :آبار البترول بعيدة عن الأعين ويحفها الفساد والرشــاوى

بين السيـد نجيب مراد ان لجنة الاصلاح الاداري ومكافحة الفساد بالمجلس التـأسيــــسي وصــــــلــتها عديد المراسلات المكتوبة وتلـقت عـــديد المكالمات الهاتفيــــة من جمعيات مهتمة بالفساد في قطاع البترول وأيضا من المشغلين في قطاع البترول يؤكدون ان هناك اهدارا كبيرا للمال العام من خلال القيام بصفقات مشبوهة علاوة على ظاهرة الفساد المستشري بالادارات التابعة لهذا القطاع الحساس.

وفي هذا الصدد يقول محدثنا ان اللجنة تتابع هذه المسائل باهتمام كبيــر وهـناك بعض الملفات التي وصلتها ستقوم بإرسالها للقطب القضائي الذي تم احداثه مؤخرا والمخـتـص في قضايا وملفات الفساد وأكد أيضا ان اللجنة تتعاون وتنسق مع هيئة مكافحة الفساد.

وأشار السيد مراد الى ان المنظومة الطاقية تشهد عمليات فساد كبرى ذلك ان آبار البترول بعيدة عن الأعين ويقع هناك ما يقع من رشاو وفساد بطرق مهولة لذلك تسعى اللجنة للمساهمة في الحد من هذه الظاهرة.